مقولة من يوجينيو تيروني -مختص في العلوم الاجتماعية- يقول «إجابة التساؤل حول نوع التعليم الذي نحتاجه نجده في إجابة سؤال آخر، ما نوع المجتمع الذي نريده؟»

يوسف -ابن عمي وعمره 12 سنة- يبهرني في كل نقاش عائلي بحجم المعلومات والمحتوى العلمي لديه، تنوعه، وقدرته على ربط الحقائق لاستنباط دروس مختلفة. يشارك في نقاشات التاريخ، الرياضة، العلوم، التعليم، ولديه رأي تقريبا في كل موضوع. حتما، لم يحصل على كل معرفته من مدرسته. ولا شك أن الثقافة العامة والقراءة والتعلم والقدرة على التحليل أمر إيجابي يريد كل ولي أمر ومعلم أن يراه في طلابه. فالسؤال: هل نعتبر يوسف تعلم أكثر من اللازم؟ أم تعتبر مناهجنا محدودة أكثر من اللازم؟ أم هذه هي المناهج التي نريدها؟

عودة إلى العنوان، إن شدك العنوان لتقرأ مقالة حول توجهات دينية في التعليم، فلن تجد ما تريد، فلست أتحدث عن أمور دينية، إنما تعليمية. الليبرالية في التعليم هي توجه وفلسفة تعليمية لتمكين الطالب وإعداده للتعامل مع الاختلافات والتغيير. ليبرالية التعليم تساعد الطلاب لتطوير حس المسؤولية الاجتماعية، ومهارات الاتصال ونقل المعلومة، القدرة على التحليل وحل المشاكل، بالإضافة إلى المهارات لتوظيف المعرفة في تطبيقات الحياة. ليبرالية التعليم هي فلسفة عامة في أنظمة التعليم تميل للتعلم بالتطبيق عن الإلقاء. وتتجه الولايات المتحدة في تطبيقها، وتطبق في فنلندا وسنغافورة وبعض دول الاتحاد الأوروبي وغيرهم.

طلابنا اليوم لديهم الحرية للاطلاع على كل أنواع المحتوى. المحتوى أصبح في جيوبنا، في إعلانات الطرق، تويتر، سناب شات، يوتيوب، بودكاست، وفي كل جهاز. يعمل المعلم لسنوات ليقوم بالتأثير على أحد طلابه، ثم يأتي أحد أطفال الإعلام الجديد المشاهير ويؤثرون على جماعات من المتابعين بتغريدة أو «سنابة». لم تصبح الحصة 50 دقيقة، إنما تحولت إلى 140 حرفا أو 30 ثانية على إنستجرام. وقد يُقيّم الطالب المنهج الدراسي أقل مصادر المعرفة جذبا.

اسأل نفسك، بعيدا عن المرحلة الابتدائية التي تعلمت فيها القراءة والكتابة والحساب، ماذا تتذكر مما تعلمته في المدرسة؟ هل مكنتك المدرسة لمواجهة الحياة؟ إن كنت تعمل في شركة، فما المهارات والمعارف التي تمكنك من العمل؟ وإن كنت ولي أمر، فكيف تريد أن ترى ابنك أو ابنتك؟ وكمجتمع سعودي، كيف نريد أن نرى طلابنا وطالباتنا؟ كيف نَصِف السعودي؟ ما القيم التي تمثلنا؟ ثم نعود ونسأل، هل تتفق الإجابات؟ هل نتعلم ما يحتاجه مجتمعنا مستقبلا؟

التعليم يشكل المجتمع في المستقبل، ومخرجات تعليمنا تعطي لمحة حول الحالة الاجتماعية والاقتصادية والمهنية لنا مستقبلا. فإن أردت أن ترى المستقبل الحقيقي فاسأل المعلم عن طلابه. نريد طلابا وطالبات متمسكين بدينهم، منتمين لوطنهم، وراعين لأسرهم، ويعملون بشغف للإنجاز وعمارة الأرض. فلسفة ليبرالية التعليم هي منهجية لفتح المجال لكل هؤلاء لتعلم ما يحتاجه مستقبلنا، ليكونوا قلبا وعقلا وذراعا في تحقيقه. فلسفة تضع التطبيق قبل التلقين، تضع الممارسة قبل الاختبار، تضع تصحيح الخطأ قبل المحاسبة بالدرجة. ليس الحديث حول تطوير المناهج الدراسية، إنما منهجية جديدة في التدريس، ليكون المعلم منسقا للمعلومة وسط كم هائل من المعارف. الحديث حول فلسفة جديدة للتعليم.