قامت وزارة الصحة، تعاونا مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، مؤخرا، بعرض ألف وظيفة للتمريض من الفلبين، وليس هذا فقط، بل أعفتهم من الاختبار التعجيزي الذي تعمله هيئة التخصصات الصحية، وجعلته «غصة» في حلق كل ممارس صحي، وجعلت وزارة الصحة في عرضها للممرضين الفلبينيين رواتب بمبلغ 4100 ريال!
سبق أن تحدثت في أكثر من مقال عن هذا التأزيم، وإقصاء أبناء البلد وتفضيل الأجنبي، بل وصنع عقبات الامتحانات على الممارس الصحي السعودي، والتي تنتهي به فيبقى «عاطلا»، وينتهي المطاف بإعفاء الأجنبي من هذه العقبات، والترحيب به في ظل استغراب وتساؤل كبيرين يقولان: ما الذي يحصل؟!
في ظل هذا العرض الغريب، وقبل عدة أشهر، عرضت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية دراسة تبين فيها أن هناك نحو 12000 ممارس صحي عاطل، وبدلا من أن تتجه هذه الهيئة مع وزارة الصحة إلى حل هذا الإشكال الذي سيزيد عاما تلو عام، بتخريج ما يزيد على 1500 ممرض سنويا، فإنهم اتجهوا إلى استقطاب واحتضان الكادر الأجنبي، وتذليل كل العقبات أمامه، ووعده براتب شهري مجزٍ!
رأينا من الممرضين العاطلين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من يعمل في مغسلة سيارات، ورأينا في موسم الحج الممرض «العاطل»، ولكن «النبيل» فهد الحربي الذي كان يعمل موظف استقبال في أحد الفنادق، رأيناه ينقذ حاجا تركيا بعد ما أصيب بإغشاء، في مشهد إنساني راق ورائع، وقامت صحة المدينة بتكريمه، وكنت أود أن يكون تكريمه بتوظيفه وظيفة رسمية، فمن هو مثل «فهد» سيداوي الجريح وينقذ المصاب بإخلاص الدم والمنشأ، ولقد قالوا: «ما يحك جلدك مثل ظفرك»، وما أخطؤوا إذ قالوا.
ورأيي أنه لا عيب في أن يعملوا في هذه القطاعات الحرفية أو الخاصة، لكنها ليست ملائمة لما تعلموه على نفقة الدولة، ودرسوه ورغبوه منذ البداية!
قبل الختام، فإنه عندما يتم تحطيم الممرضين بمثل هذه الإعلانات والاستقطابات الأجنبية، فإن الأثر النفسي سيكون كبيرا، فضلا عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء! والحق أن وجود ممرض سعودي يفهم عادات مجتمعه، سيجعله قريبا جدا من مريضه، في قسم تنويم أو عناية أو حتى عيادات خارجية، وسيلبي له احتياجاته التي ربما لا يفهمها الأجنبي بحكم الديانة أو العادة الاجتماعية أو المذاهب أو نحوها.
وبحكم التخصص، فقد رأينا من الممرض السعودي تفانيا وحبّا أيضا لخدمة مريضه، إذ يرى فيه الأب والأخ والابن، بل ورأينا منهم من تنتهي ساعات عمله ويبقى ملازما لمريضه مع وجود الطاقم الصحي التالي، إلا لأنه يشعر تماما بأن المريض «منه». وعندما أحادثه عن هذا التصرف يقول لي: «أَجْر يا دكتور»، فهل يستحق هذا الممرض النبيل إزاحته واستقدام الأجنبي؟!
ختاما، ومع كل ذلك، فإننا نعلم يقينا أن بلدنا بقيادته ذات الرؤية الثاقبة الواعدة 2030، والتي رأينا منها ثمارا كانت أشبه بالحلم فيما مضى، ومع كل هذا فإنا واثقون بأننا متوجهون نحو الأفضل، ولعل هذه «وعكة عابرة» حلت وسترحل، وسنجد السعودة هي سيدة الموقف في قطاعاتنا الصحية، كما رأيناه في بعض القطاعات الخاصة، وبشكل رائع، ساوم عليه البعض بداية، لكننا نجحنا وحققنا، وسننجح وسنحقق.