مئات الدراسات تتحدث عن طرق وآليات ربط التعليم بسوق العمل.

وفي هذه المقالة، أتحدث بواقعية أن صرف الجهود لمحاولة تحقيق ذلك هي زائلة دون جدوى، ولن تنجح الجهود في منهجية التعليم الحالية، ومن الأفضل إعادة توجيه الميزانيات إلى أمور أخرى أكثر فاعلية في تعليمنا. وأستعرض وجهة نظري هنا.

التعليم والعمل، قطاعان مختلفان، لهما سرعتهما في النمو.

العمل، أكثر جاذبية لوجود عوائد مادية أكبر، والتعليم يقع بصورة عامة ضمن إطار الخدمات الحكومية.

دعم التعليم يعدّ -بصورة عامة- مسؤولية اجتماعية، أو عملا وطنيا عند بعضهم، بينما إنشاء الشركات يُصنّفُ عملا استثماريا بحتا يدر مدخلات على أفراده.

فلقطاع الأعمال أهمية للفرد من قطاع التعليم على المدى القصير، لأن أثره واضح على المدى القصير في التأثير على الاقتصاد وسوق المال.

قطاع التعليم يؤهل المخرجات وفق منهجيات وآليات وشهادات معينة. فيمر الطالب باثنتي عشرة سنة من عمره لتأهيله، حتى يبدأ التعرف على موضوعات تتعلق بسوق العمل، فيتخصص في ما يريد من: هندسة، طب، علوم، تعليم، أو غير ذلك.

تمر 5 سنوات تقريبا حتى يحصل على شهادة تؤهله لطرق أبواب الشركات، وبدء العمل في قاع السلم الوظيفي، والشركات ما زالت تحتاج إلى 5 سنوات أخرى للتخصص والحصول على التجربة حتى يصبح منتجا في القطاع. ناهيك إن قرر الاستمرار بدراسة الماجتسير والدكتوراه.

منذ الثورة الصناعية الأولى، والتي استمرت قرابة 100عام، اُعتُبر قطاع التعليم مغذّيا للكوادر التي ستعمل في قطاع العمل، ولثبات وبطء النمو في قطاع العمل آنذاك، استطاع رواد الأعمال انتظار النتائج وتدريب المخرجات من التعليم لتحقيق أهدافهم.

بينما استمرت الثورة الصناعية الثانية 65 عاما تقريبا، والثالثة 40 عاما تقريبا، ومنذ بداية الألفينات ونحن في الثورة الصناعية الرابعة، والتي نقلت عالم الأعمال إلى ثورة تقنية متسارعة جدا، نشهدها في: التحول الرقمي، إلى العملات الإلكترونية، وأجهزة تتعلم بذاتها، وروبوتات تستبدل البشر، ونمو متسارع لكل ذلك.

الشاهد، النمو المتسارع في قطاع الأعمال لا يستطيع انتظار قطاع التعليم لتدريب مخرجاته حتى يتوافق مع احتياجاته. قطاع الأعمال سيتجه مباشرة إلى التدريب العملي على رأس العمل، خلال برامج تدريبية متخصصة، ليصل إلى القدرات البشرية التي يريد في وقت يناسبه. فما الحل؟

سوق العمل اليوم يهتم بالإنتاجية، واتجهت كبرى الشركات العالمية إلى إلغاء طلب الشهادة الأكاديمية خلال التوظيف. الشركات تبحث عن المهارات الشخصية، وهي مستعدة للتدريب الميداني والتطبيق على رأس العمل لكل من يحمل هذه المهارات، وغالبا لا تستغرق فترة طويلة. وعلى التعليم تمكين مخرجاته بهذه المهارات العامة، وتقليص فترة التخصص النظري، والتوجه إلى التعلم التطبيقي على رأس العمل.

منهجية التعليم لا بد أن تتحول إلى تطبيقية، والمحتوى يركز على المهارات، وتتحول طرق التدريس إلى ممكنة وميسرة للطالب، للبحث وإيجاد المعلومة بذاته.

لن نصل إلى ذلك خلال أيام أو سنوات، ولكن تحويل نموذج إعداد المعلم، ومعايير المناهج، ومعايير القياس والنجاح، وغير ذلك يحتاج إلى قرارات مصيرية.

ربط مخرجات التعليم بسوق العمل خرافة لن تتحقق مع النمو المتسارع في الثورة الصناعية، وفي اختلاف الوظائف، نعرف الوظائف الذي يحتاجها المستقبل بعد 10 أو 20 سنة، ولكن إلى أن يتم تطوير النظام التعليمي لتوفير هذه الكوادر، سيتم استحداث وظائف جديدة.

«لن تكون التقنية مستقبلا بهذا البطء التي عليها اليوم»، كما قال أحد كبراء شركة جوجل التنفيذيين. القضية ليست في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل، بل تأهيل مخرجات تعليم تصنع سوق عمل جديدا.