جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، ‏عن أسامة بن زيد، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء».

وقد اُتُخذ هذا الحديث حجر زاوية في كثير من الأحكام والفتاوى المتشددة التي تخص المرأة، والتي قد تحرم عليها حلالا بذريعة سد الذرائع، وكان سببا في توجس كثيرين عند تعاملهم مع النساء، وذلك بسبب فهم واحد انتشر لهذا الحديث، والذي يقضي بـ«التحذير من الافتتان بالمرأة لشدة ميل الرجل إليها، فقد يقع بسببها - إن كانت زوجة - في ترك ما أمره الله به من برّ والدين وواجبات وقيام بالحقوق، أو تُوقِعه فيما نهاه عنه الله من المحرمات، وإن كانت أجنبية عنه فقد توقعه كذلك في ترك واجب أو فعل محرم معها أو مع غيرها».

هذا هو الفهم الشائع للحديث، رغم أننا يمكننا فهم متن الحديث بمنظور مختلف لا يتناقض والفهم السابق، ولا مع المنطق، وإن كان سيكون هذا الفهم مفتاحا للتيسير في أمر الدين بخصوص النساء، بعكس ما هو شائع.

إن بني إسرائيل تشددوا وتنطعوا جدا فيما يخص المرأة من أحكام وتشريعات، وفرضوا عليها عقوبات جليلة، من قطع

أو تحريق أو تقتيل على الهفوات البسيطة، ووصفوها بالنجاسة ورموها بالدنس، وغيرها من الأمور التي لا يقبلها شرع سليم ولا فطرة قويمة أو خلق كريم، عدا ما رموها به من اتهام كونها سبب الخطيئة الأولى لآدم عليه السلام، وسبب خروجه ونسله من بعده من الجنة، ومصدر الإغواء والشر في الدنيا، وكان هذا التنطع والتشدد سببا في نفور كثير من الديانة اليهودية، بل وحتى من ديانة النصرانية - معلوم أن الديانة النصرانية أيضا كانت تخص بني إسرائيل - التي لم تختلف معها - في أساسها الفكري - في النظر إلى المرأة.

ومن هنا، كان هذا التشدد والتنطع في أمور المرأة فتنةً لبني إسرائيل.

والذي يحدث الآن من تنطع من البعض في تقرير الأحكام الفقهية، أو في العادات والتقاليد التي تظلم المرأة حقوقها، بحجج غالبها سقيم ما أنزل الله به من سلطان، هو «فتنة» لكثير من الخلق، وسبب للضياع والنفور.

لو فهمنا الحديث بهذا المنظور -الذي لا يوجد ما يخالفه من نصوص شرعية أخرى أو من شرع الله الواضح ونصوصه القطعية الثبوت والدلالة- لاختلف تعاملنا كثيرا في قضايا المرأة، ولَسعيْنا جهدنا لإقرار حقوقها، والتوقف عن التنقص منها، أو التنطع فيما يخصها، خشية الوقوع في الفتنة.

فهل نعيد قراءة التراث بعين جديدة تحاول تقريب معاني الإنسانية ومقاصد الشرع؟ أتمنى ذلك.

وهناك حديث في صحيح الجامع «إن الولد مَبْخَلَة مَجْبَنَة مَجْهَلَة مَحْزَنَة»، أي أن الأولاد قد يسببون لآبائهم الجبن والبخل والجهل والحزن، فهل نرى أحدا دعا إلى التقليل من الإنجاب استنادا إلى هذا الحديث وشفقة من مشقة التربية!

بل هناك أحاديث عن أنواع أخرى من الفتنة، وتحديد أنها هي فتنة أمة محمد وليس كما سبق في حديث مسلم أن فتنة بني إسرائيل في النساء، وهو حديث صحيح في سنن الترمذي «إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال».

فهل نراهم حذروا من المال واجتنبوه وضيقوا فيه كما فعلوا مع المرأة؟

يقول سيدي وحبيبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث رواه أحمد وابن ماجة، إسناده صحيح -كما يُذكر- «اللهم إني أحرّج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة».

ومعنى «أحرّج»: أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك، والمعنى التحذير البليغ والزجر الأكيد عن تضييع حقوقهما.

وسبحان من سمّى نفسه الرحمن الرحيم، وكتب على نفسه العدل، لا إله إلا هو.