«مارس ما تعظ الناس به أو غيّر مواعظك».

يقال «دائما ما يكون الشخص ذو الأيادي الملطخة أول من يؤشر بأصبعه ويتهم الآخرين».

أصبح لدى البعض ظاهرة التلون وتغيير المراكب، فأصبح كأنه زئبق يصعب مسكه وأكثر تغيرا للألوان من الحرباء.

للأسف، لا يملك شكلا أو مبدأ -وخلال عملية القفز من تيار إلى آخر- فقد شكله وشخصيته وأصبح يتشكل بشكل الإناء أو التيار الذي يتبعه.

إلى الآن، القصة تمثل أشخاصا يسيئون إلى أنفسهم قبل غيرهم، وهذه مشكلتهم، لكن عندما ينبري البعض ويحاول التسلق على الوطنية، هناك يجب أن يقف عند حده، لأن الوطنية والوطن أرقى وأعلى من الجميع، ومن باب أولى لا يجوز أن تستخدمها هذه الفئة في خدمة مصالح ضيقة.

هو الشخص نفسه، سواء رجلا كان أو امرأة، الذي يتقمص الدور حسب التيار، ودائما ما يزايد على الآخرين. أيام الصحوة المشؤومة - عندما ازدهر سوقها قبل عقود - كان يتشدد ويزايد وتنطع بالدين، ويطالب حتى الأطفال من البنات بلبس القفاز الأسود، وسيارته وبيته مليئان بأشرطة الصحوة كأنها مكتبة، من باب الاستعراض، وكان كل ما يخص المرأة شبه محرم وكأنه شبه جريمة، وقف ضد حقوق النساء، وكانت بعض الصحويات أو بالأحرى راكبات الموجة الصحوية أشد ضراوة على النساء من كثير من الرجال، ولو كان بيدهم في تلك الأزمنة لأنشؤوا مدينة للرجال وأخرى للنساء.

وكما هي العادة، كل من كان يناقش أو يختلف ضده كان ينعته بأنه ضد الدين -وكأنه هو الدين- أو ليبرالي، وقد سمعناهم ينعتون من يخالفهم بأقذع الألفاظ.

مرت السنون وبدأت تنطفئ الموجة الصحوية، وبدأت تزيد اتقادا الموجة الإخوانية، خصوصا بعد الخريف العربي وثوراته.

طبعا، قفز المتسلقون من المركب الصحوي إلى المركب الإخواني، وبدأت علامات التمجيد بالمرشد وصحبه. أذكر عندما انتقدنا الإخوان في مصر، وكان وقتها قمة صعود الإخوان للحكم، وُضع اسمي وبعض الزملاء الكُتاب في القائمة السوداء للإخوان، كان بعض المتملقين يقولون عنا أنه ليس لدينا بعد نظر سياسي، وأن هذا عصر الإخوان، وعندما شرحت لبعضهم مبادئ منذ نشأتي -ومن أيام المدرسة- ضد الصحوية والإخوانية، كان - بكل بجاحة - يقولون الواحد يجب أن يغير مبادئه حسب الظروف!

سابقا، سمعت أن الشخص يغيّر طريقته، لكن يغيّر مبادئه ويدعو الناس كي يفعلوا ذلك، فهذا شيء كان جديد!

هو يغيّر مبادئه ليس لأنه اكتشف أن مبادئه خاطئة، ولكن لتغيير الموجة والمصالح، فهذه كانت قمة التناقضات، فالشخص دون أفكار ومبادئ -بغض النظر عن صحتها- هو لا شيء. الله خلقنا مختلفين، فلماذا نريد أن نكون نسخة مكررة من الآخرين، وربما أحترم الشخص الذي يدافع عن مبادئه حتى لو كانت خطأ، وأختلف معها أكثر من الشخص الذي لا مبادئ له ويكون حسب الظروف وحسب الطلب «مبادئ ديلفيري».

مرت السنون وانهارت الموجة الإخوانية، وغرق مركبها، وكما هي العادة جماعة المتسلقين نفسها تريد القفز إلى مركب آخر وهنا قفز البعض لما كان يعتقد أنه مركب الوطنية والرؤية، مع أن الوطنية أسمى من أن تكون مركبا أو وسيلة، والرؤية أكبر من أن يتسلقها المتلونون، فنرى بعضهم بدأ يوزع ويقيّم وطنية الناس في وسائل التواصل والإعلام. وكما هو الأسلوب نفسه المزايدة على الجميع، وتتكرر القصة، بعضهم أزعج الناس: أنتم ضد الوطنية، وهو نفسه من أزعج الناس سابقا أيام الصحوة: أنتم ضد الدين، ولم يغيّر أسلوبه! هو لم يكن يمثل الدين في يوم من الأيام، لأن الدين لا يمثل بالأشخاص، وكذلك هو الآن لم يضعه أحد ممثلا للوطنية، تنطبق عليه مقولة «هو مثل عملة القرش المعدنية له وجهان ولا يساوي شيئا».

الوطنية عمل وإخلاص ومبادئ وطريق واضح، وليس انتهازية أو قفزا بين المراكب وصياحا في وسائل التواصل الاجتماعي. قد أقبل أن يتكلم عن الوطنية، شجعان وشهداء الحد الجنوبي الذين بعضهم أصيب أكثر من مرة، وكان يصر على أن يعود إلى الجبهة حتى استشهدوا -رحمهم الله- ومع ذلك لم أر أحدا من هؤلاء الأبطال الوطنيين يصنف الناس ويوزع الوطنية، وقد أقبله ممن حارب الإرهاب وأصيب وواصل الليل والنهار في إحباط العمليات الإرهابية، ويحافظ على أمن البلد واستقراره، وقد أقبله ممن أفنى عمره في خدمة هذا الوطن ورفع شأنه.

وهذه الفئات - رغم ما عملته للوطن - لم أرها أو أسمعها تصنف الناس أو تشكك في وطنيتهم، لأنهم عرفوا أن الوطن أكبر وأرقى من التصنيف.

أما المتسلق جالسٌ أمام شاشة الجوال ومتربع، يوزع الوطنية كأنها شهادات صادرة من حضرته، وبعضهم تاريخهم مخزٍ، ويكثر من الزعيق الذي يدل على انتفاء الحجة. والملاحظ أن هذا المتلون خلال المراحل الـ3 من حياته لم يطور من طريقة تفكيره، وعاجز عن النقاش الهادئ والبراهين، بل يهاجم مخالفيه بكل أنواع التهم، لكن العقلاء يعرفون تاريخه ويترفعون عن الدخول في مهاترات مع أمثاله.

ببساطة، أقول للمتسلق: من الأفضل أن تعترف بأخطائك، ولو حاولت لمرة واحدة الالتزام بمبدأ فهذا أفضل لشخصك بدل المزايدة على الآخرين، لأنه منذ القدم قيل «لأن يُذكَر الإنسان أنه كان مخطئا أفضل من أن يذكر أنه كان منافقا».