السامية والساميون، من الألفاظ التي ليس لها أساس علمي، اقتبسها الدارسون العرب من المستشرقين دون أن يتنبهوا إلى مدلولاتها الحقيقية، وتضاف إلى الكمّ الهائل من المصطلحات الأخرى التي استوردوها دون تدقيق أو تمحيص.

فنحن -كعادتنا- نباشر دراساتنا خلال مناهج ومداخل ابتكرها الغربيون، وإننا -وإلى حد بعيد- ننظر إلى تراثنا وثقافتنا وأدبنا ولغتنا قبل كل شيء بعيون غربية.

بدأت التسمية بالسامية مع المستشرق اليهودي الألماني شلوترز، معتمدا على ما ذكر بالتوراة في سفر التكوين الذي يقسم الشعوب القديمة إلى 3 أقسام: شعوب سامية نسبة إلى سام بن نوح، وشعوب حامية نسبة إلى حام بن نوح، وشعوب يافثية نسبة إلى يافث بن نوح، وهي تصنيفات ترتكز على أساس العرق واللون.

ومنذ عام 1781، وهو تاريخ بداية هذه التسمية، وضَعَنا المستشرقون في خانة الشعوب السامية، ونسبوا لغتنا إلى عائلة اللغات السامية، والشعوب السامية بطبيعة الحال هم شعوب من الدرجة الثانية، مكانتهم دون مكانة الشعوب الآرية المتفوقة.

وإذا كنا عجزنا عن إنتاج سيارة أو طيارة أو حاسوب آلي، لظروف تاريخية تعرض لها العرب، فلا أدري ما المبرر لتبني دراسات استشراقية مبنية على ثنائية الغرب والشرق. الغرب المتفوق والشرق المتخلف، دراسات متورطة في الشأن السياسي والمصالح الاقتصادية والتطلعات الإمبريالية، حتى صارت العلاقة بين المستشرق والسياسي علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة، لا تنظر إلى الشرق كونه فضاء خصبا للفلكلور والخرافة وقصص ألف ليلة وليلة وحسب، بل تراه مستودعا ضخما للمواد الخام، وسوقا استهلاكية للبضائع والمنتجات بأشكالها كافة.

الشرق المتخيل الذي لا وجود له على أرض الواقع، الشرق المفعم بالروحانيات، المحاط بالغرائب والعجائب وقصص ما وراء الطبيعة، والسيطرة على هذا الشرق العجائبي تعني السيطرة على تجارة التوابل والقطن، والتحكم في حركة الملاحة الدولية لضمان عبور قوافل السفن التجارية بأمن وسلام عبر القارات.

هذا التحالف بين تجار التوابل والقطن من جهة، وبين الباحثين الأكاديميين من جهة أخرى، أخرج إلى الوجود مصطلح السامية، فأصبحت لغتنا الأثيرة في قوائم اللغات السامية، ولم نعد ندري هل نحن ساميون أم عرب أم الاثنان معا؟

عموما، ليس لنا الحق في الاعتراض، فقد جاءنا هذا التصنيف مختوما بختم العلمية والموضوعية والحياد العلمي، مما يعني أن علينا أن نقبل كحجة دامغة لا يخالجها الشك.

وما أبلغ ما قاله الدكتور جعفر دك الباب، حين نبّه إلى خطورة هذه التسمية قائلا: «إن العرب بتبنيهم فرضية أسرة اللغات السامية، وفرضية الشعب السامي، قد وضعوا أنفسهم في وضع شاذ غريب لا مثيل له في التاريخ. فنحن نعترف أننا ساميون، وأن لغتنا العربية من اللغات السامية. ويفهم العالم -خاصة أوروبا وأميركا- أن السامي هو اليهودي، وتعتمد الصهيونية على التوراة في تأييد مزاعمها حول الحق التاريخي لليهود في فلسطين وبقية الدول العربية، وتعتمد فرضية أسرة اللغات السامية، على ما ورد في التوراة كي تؤكد أن الشعب اليهودي هو الشعب الأول والأصيل في أرض السلام، وأن اللغة العبرية هي اللغة الأم لجميع اللغات السامية».

مهما تدثرت هذه التسميات بوشاح العلم، وتزينت بحلل الموضوعية، وأخذت بأسباب البحث العلمي وشروطه، فهي ما تزال أسطورة في جوهرها، ومن المؤسف أن يتعامل معها العرب وكأنها حقيقة علمية لا تشوبها شائبة، ورضوا أن يدمجوا أنفسهم مع قوائم الشعوب السامية المجهولة، ويجعلوا من لغتهم لغة متفرعة لا أصل لها ولا أساس. والدارس العربي عندما يقبل كل ما يأتينا به الاستشراق من مفاهيم، ويغض الطرف عما فيها من تضمنات أيديولوجية وسياسية وثقافية، فإنه يتبع خيارا كسولا ويعطي الآخر حق تقرير ماهيتنا، وكأن المستشرقين يعرفوننا أكثر من أنفسنا، وكل ما يقولونه حول لغتنا وتاريخنا هو الحقيقة المطلقة.

والحل -بطبيعة الحال- هو التعامل معها تعاملا نقديا ومواجهتها بشكل إيجابي، مواجهة تتسم بالوعي والثقة بالنفس، والنظر إلى تراثنا ولغتنا من زاوية نحددها نحن لا الآخر، بدلا من أن تكون الدراسات الاستشراقية هي التيار الرئيس المحدد والمرجع الأساس لدراسة الثقافة العربية والتاريخ العربي، وهو هدف مشروع أخلاقيا وعلميا، ولا بأس من التعامل مع الدراسات الاستشراقية كروافد جانبية، ولكن لا يعتمد عليها بشكل أساسي كحجة أولى يجب أن نسير على خطاها.