منذ سنوات عديدة لم أر حملة هجوم منسق ومبرمج على المملكة كما حدث في الأسبوع الماضي! أتابع الحملات الإعلامية على المملكة في الإعلام العالمي لأكثر من عقد من الزمن، عادة مع تجميع تقارير الحملة والتحليل والربط والنمط تستطيع معرفة السبب الحقيقي والمفتعل في الحملات، وتستنبط مع الوقت أسلوب الحملة ولكل حملة بصمات تدل على المصدر أو الشرارة الأولى، وعادة ما يكون ابتزازا لتمرير صفقة معينة أو أمور أخرى.

لكن هذه الحملة الحالية كانت مختلفة جدا، سواء من حيث الكم أو الكيف، أو التنسيق أو التوسع، طبعا بصمات الإخوان كانت ظاهرة وبقوة، وهذا شيء تعودنا عليه، وأسلوبهم معروف، وسهل الرد عليه، لكن هذه المرة هناك رؤوس أخرى للحملة، الحملة مدعومة من جهات أخرى، والإعلام العالمي تدخل بقوة، وهناك تنسيق إعلامي سياسي من دول كبرى حول العالم، والإخوان كالعادة ركبوا الموجة باستغلالهم للأمور كما هو معروف عنهم، ما الذي يجعل وكالة أنباء مثل رويترز تصدر عدة تقارير في اليوم الواحد كأنه قضية عالمية، حتى إن مراسليها شنوا حملة منسقة في وسائل التواصل الاجتماعي عبر حساباتهم الشخصية، الواشنطن بوست تدخلت بقوة وربما بسبب أن جمال خاشقجي كان كاتب رأي عندهم، لكن هذا لا يفسر الكم الكبير من الصحف العالمية الأخرى مثل التايم والنيويورك تايمز وسي أن أن والبوليتكو والفورن بولسي والجاردين، ما الذي يجعل الإعلام العالمي يتبنى رأي آلة الإعلام الإخوانية؟

منذ أيام ونحن في نقاش حام مع الصحفيين الغربيين بخصوص قضية جمال خاشقجي، نحاول أن نقنعهم بالمنطق والتروي بالأحكام قبل ظهور أي أدلة، لكن ماكينة الإعلام الإخوانية تبث كمية هائلة من الأخبار الزائفة بشكل علني وبشكل مخفي للصحفيين والإعلام الغربي، ولو تبنى الصحفيون الغربيون 1% من مما يبث لهم لاعتبر الإخوان أن ذلك انتصار لهم، في نقاش مطول مع أحد الصحفيين الغربيين يقول لي عن أمور غير قابلة للتصديق، ويتحدث أن على الأقل تبني وجه النظر الأخف وطاءة من باب الموضوعية، عندما تأتي موجة هائلة وتيار قوي من الأخبار فإن النفس البشرية ستتبنى على الأقل جزءا منها، فما بالكم عندما قامت بعض الدول الغربية وبعض السياسيين بتبني الموضوع ومحاولة إذكاء النار فيه.

الإعلام السعودي الخارجي كان للأسف أقل من الطموح بمراحل، لقد تفرغ الإعلام السعودي لوسائل التواصل وللأعلام الداخلي، مع أن الحملة دولية خارجية والإعلام السعودي تركيزه داخلي! ولو سألت السعوديين واحد واحدا عما تبثه من سيناريوهات آلة الإعلام الإخواني لما وجدت من يصدقه، الإخوان خسروا معركة الداخل من زمان! لذلك تركيزهم خارجي، وللأسف الإعلام السعودي كأنه يعيد ما يعرفه الجميع، بدل أن يركز على الحملة الخارجية أصبح يستهلك طاقته في معركة هو انتصر فيها منذ مدة طويلة، وكأن الإعلام السعودي يتحدث لنفسه، بعض الكتاب يغرد تغريدات أمام جمهوره ويرد وينتقد أخبار الإخوان الزائفة، وهذا جيد، لكن للأسف هو يعرف المعروف، الموضوع ليس رفع عتب وأنك أدليت بدلوك، الموضوع أكبر من هذا، إذا كان الكاتب لا يعرف اللغة أو لا يعرف يتعامل مع العقلية الغربية والأسلوب الغربي، من باب أولى يطلب من أصدقائه ومتابعيه ومن يعرفون أن يردوا على هذه الحملة في وسائل التواصل، لأنه كل شخص في وسائل التواصل أصبح كأنه متحدث وقناة إعلامية، لو آلاف السعوديين اتحدوا وبدؤوا حملة للدفاع لخفت حدة الحملة.

طبعا المفروض والأمثل أن تكون هناك حملة مضادة منسقة مبنية على أسس علمية واحترافية، لكن ماذا نفعل إذا ما طالبنا فيه لسنوات لم يحدث!؟ كل الذي نفعله اجتهادات شخصية للدفاع عن الوطن، وليس هذا منة، لأن الوطن يستحق أكثر من ذلك، لكن الغالبية تعرف وتعترف بقصور إعلامنا الخارجي.

يجب ألا نأخذ الأمور ببساطة، الموضوع أدى إلى تدخل كبار المسؤولين في كثير من دول العالم، وأدلوا بتصريحات حادة، ولا يهمنا رأي بعض محدودي الأفق الذين يقولون حملة وتمر، وأن الأهم الإعلام الداخلي، نحن لدينا مصالح مع دول العالم، ونحن دولة محورية، إذا كان بعض الجهلة محدودي التفكير لا يعرف يرد على طريقة وأسلوب الإعلام الدولي فيقلل من أهميته لأنه لا يملك الأدوات والاطلاع للرد عليه فهذه مشكلته، وجزاه الله خيرا أن يدافع داخليا، لكن نحتاج تحسين صورتنا خارجيا، سمو ولي العهد يعرف جيدا أهمية الإعلام العالمي وتأثيره، وهو متمكن جدا في التعامل معه، ورسم صورة مميزة للمملكة، خصوصا في لقائه الأخير مع بلومبيرج، أذهل الكثيرين بسعة اطلاعه وبإجاباته القوية الشافية المليئة بالأرقام والتفاصيل، وهذا ما يستهدفه الإخوان والبعض في الدول الغربية، صورة المملكة الجديدة في العالم، لقد يئسوا من المعركة في الداخل فنقلوها خارجيا، واتفقت أهدافهم على المملكة، الإخوان يعرفون أن المملكة عدوتهم الأولى في العالم العربي ونسفت مخططاتهم، وبعض السياسيين الغربيين يريدون تمرير صفقات معينة، أو يريدون تنازلات معينة، وهم كانوا متفاجئين سابقا في التغيير الذي حدث في والحزم الذي أظهرته المملكة في سياستها الخارجية، والبعض يريد اختبار السعودية تحت الضغط، وبعض الإعلام يريد أن ينتقم من خسارة معاركه مع ترمب، لا أبالغ إن قلت إن كثيرا من الإعلام الأميركي حول أنظاره من معركة تعيين القاضي كافانو في المحكمة العليا في أميركا التي خسروها ضد ترمب إلى حملة ضد المملكة، لما للمملكة من علاقة مع ترمب. هل كانت أدواتنا في الإعلام الخارجي مستعدة لهذه المعركة؟ بصراحة لا ..أرجو من الجميع التكاتف للتركيز على الإعلام الخارجي ومحاولة الدفاع بحكمة ورقي وأسلوب مقنع عن الوطن، وأجدد دعوتي ببث الروح والطاقة في إعلامنا الخارجي بأسلوب عصري احترافي، سنواجه ربما حملات مستقبلية فأرجو الاستعداد والتحضير.