الخدمات الإلكترونية في كثير من القطاعات الحكومية ما زالت تتعثر، والسبب كما ذكرت في مقال سابق أن عقلية الورق لم تتغير، وهي لن تتغير لوحدها، فبدون التدريب والتأهيل لن يتمكن العاملون من مواكبة الجديد والاستفادة منه بالصورة التي تحقق اختصار الجهد والوقت. وهناك الآن إدارات كثيرة لديها خدمة إلكترونية ولكن الورق يرافقها في كل الخطوات بحيث أصبحت عبئا على الموظف والمراجع، وهنا أنموذج يرويه الأخ أحمد الشهري في رسالته التالية، حيث يقول:

(قبل عدة أشهر استعان بي أحد الأقارب للتقديم لوالده في الضمان الاجتماعي, ليس الاستعانة للحصول على واسطة ولكن لمساعدته في تعبئة الطلب الإلكتروني الموجود في بوابة الضمان، بما أن هذه العائلة البسيطة لم يدخل الكمبيوتر منزلهم, وبما أن صحة والده ذي الـ 73 عاماً لا تعينه على الذهاب لمكتب الضمان وكون التقديم الإلكتروني أحد الخدمات التي استحدثتها الوزارة مؤخراً للتسهيل على المواطنين. المهم المفاجأة الأولى عند دخولك لتقديم طلب تتفاجأ بالعبارة التالية: "قبول الطلب يتداخل مع تطوير برنامج يسر (التعاملات الإلكترونية الحكومية).. يفضل مراجعة مكاتب الضمان للتسجيل". المفاجأة الثانية أن مدة الستين يوماً المحددة في نظامهم للرد على الطلب انتهت من عدة أسابيع ولم يبت في طلبه, طبقا للمادة 10 من نظام الضمان الاجتماعي، "سيتم إشعاركم إلكترونيا بالقبول أو الرفض خلال 60 يوما".

نفرح عندما نقرأ في الصحف عن الخدمات الإلكترونية، لأن ما يأتي في خواطرنا بأن زمن ضياع الأوراق والبيروقراطية والتأخير انتهى, ولكن يبدو أن الطريقة التقليدية "يداً بيد" هي أفضل طريقة يمكن استخدامها في بلدنا العزيز، لأننا ببساطة نعلم أن أي إعلان عن خدمات كهذه هو فقط للتباهي بين الوزارات والمصالح الحكومية).

وبعد، فلا أتفق مع الأخ الشهري في مسألة التباهي هذه، لكني أتصور أن هذه الإدارات تحاول فعلا لكنها قفزت على موضوع التدريب الجيد والتأهيل الحقيقي فكانت النتيجة أنها أضافت بخدماتها الإلكترونية عبئا جديدا على نفسها وعلى مراجعيها كما هذه الحال مع الضمان الاجتماعي، وإلا فما فائدة الإنترنت إذا كان لابد من مراجعة المكتب للتسجيل وتعبئة النماذج ومقابلة الموظفين؟

بقي أن أشير إلى أن هناك جهات تميزت في خدماتها الإلكترونية ونجحت، وقد ذكرت في مقال سابق وزارة الداخلية، وأريد أن أضيف اليوم المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي حققت عدة جوائز على تطورها في هذا الشأن، ولعل هناك جهات أخرى متميزة لكن الغالب حتى الآن هو هذه الحال التي عليها الضمان، ولذلك ما زالت الثقة مهزوزة.