وقّعت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين عقد دراسة واقع سوق مهنة المحاسبة في المملكة مع أحد مراكز الاستشارات، إذ سيتم دراسة واقع المهنة في القطاعين الحكومي والشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، وإحصاء وإعداد المحاسبين العاملين فيها من السعوديين والمقيمين، والتعرف إلى واقع الخريجين والباحثين عن العمل ومستقبل المهنة.

وقد أظهرت إحصاءات هيئة المحاسبين في العام الماضي «بلوغ عدد المكاتب المحاسبية المرخصة لمزاولة المهنة لـ184 مكتبا، فيما بلغت نسبة التوطين 33% تقريبا، إذ بلغ عدد المحاسبين والمحاسبات في مكاتب المحاسبة 4387 موظفا وموظفة، منهم 1430 سعوديا وسعودية»، إضافة إلى وجود «160 ألف وظيفة في مجال المحاسبة في الشركات، نسبة التوطين فيها لا تتعدى نسبة 2%».

الإحصاءات السابقة تدعونا إلى التفكير في واقع مهنة المحاسبة، إذ تشير تلك الأرقام إلى عدم وجود ميزة تنافسية للشباب السعودي من خريجي أقسام المحاسبة في الجامعات عند التوظيف، مما يعني دخول خبرات محاسبية أجنبية إلى السوق السعودي عن طريق مكاتب محاسبية عالمية لا يمكن منافستهم، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى ملاءمة المخرجات التعليمية لمتطلبات سوق العمل. فهل هناك قصور في أركان العملية التعليمية؟ وهل هناك ضعف في برامج التدريب اللازمة لتأهيل المحاسبين الجدد الملتحقين بالمهنة؟ وهل هناك ضعف في التنسيق بين وزارة التعليم وهيئة المحاسبين القانونيين؟ وهل يوجد قصور في التشريعات المنظمة لمزاولة المهنة؟.

للأسف الشديد، لا توجد دراسات أو أبحاث تتناول واقع مهنة المحاسبة في المملكة، ولكن أستطيع القول: إنه خلال الاطلاع على الكتب والمراجع التي تُدرّس في الجامعات، يتضح أنها لم تتغير منذ أكثر من 20 عاما، إضافة إلى أنها عبارة عن ترجمة غير واضحة إلى العربية، وهذا يعني أن التعليم الجامعي ظل يواصل تخريج الطلاب على النمط القديم الذي لا يتوافق مع الممارسة المهنية الحديثة.

أما فيما يتعلق بالتأهيل والتدريب، هناك برامج تدريبية تقدمها الهيئة السعودية للمحاسبين، تمثل إطارا للاستعداد لاختبار الزمالة في مهنة المحاسبة والمراجعة، ولكن ما يؤخذ على هذه البرامج أنها مكلفة ماليا، على الرغم من مبادرات الهيئة المتمثلة في منح تخفيض نسبي للخريجين الجدد، إلا أن كثيرا من الطلاب غير قادرين على تلك التكاليف، أيضا إضافة إلى أن موضوعات التدريب تكاد لا تختلف عن منهجية الجامعات.

لا شك أن مهنة المحاسبة، كغيرها من المهن الأخرى مثل الطب والمحاماة والهندسة، تفترض في ممارسها أن يقوم بتعليم وتطوير نفسه ذاتيا «التعليم المستمر» إذا ما أراد النجاح في عمله، وذلك خلال الدراسات والأبحاث، والاطلاع على أحدث المستجدات المتعلقة بمهنته، ولكن لا يتسنى القيام بذلك دون الممارسة الفعلية للمهنة على أرض الواقع، وبالتالي كيف يستطيع خريج المحاسبة ممارسة المهنة دون وظيفة أو عمل؟ فكما هو معلوم لأي مهني بألا تكون لديه فقط المعرفة النظرية، بل أيضا المقدرة على استغلال تلك المعرفة بكفاءة في ميدان العمل.

لقد بادرت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين إلى وضع منهجية للتأهيل المهني، وإعداد المراجع العلمية لكل مواد التأهيل، وبادرت إلى عقد امتحانات الزمالة المهنية على نطاق واسع في كل مناطق المملكة، إضافة إلى شهادات مهنية أخرى، منها على سبيل المثال أخصائي ضريبة القيمة المضافة، كما قامت بتطبيق معايير المحاسبة الدولية، ومعايير المراجعة الدولية في المملكة، كما قامت بترجمة الكتب المتعلقة بهذه المعايير إلى اللغة العربية، كما أصدرت أول مجلة مهنية محاسبية، وعلى الرغم من هذه الجهود التي تبذلها الهيئة في سبيل تطوير المهنة، وتأهيل المحاسب السعودي، إلا أن المهنة ما زالت تواجه تحديات وصعوبات كثيرة كما رأينا آنفا، ولعل تشجيع الأبحاث الميدانية والأكاديمية، وتفعيل دور الجامعات والكليات، وجمعية المحاسبة السعودية، التي نسمع بها ولا نرى لها منجزات على أرض الواقع، تعد الخطوة الأساسية لمواجهة تلك التحديات.

ونحن في انتظار ما تسفر عنه نتائج دراسة مركز الاستشارات لواقع المهنة في السوق السعودي، والتي تعاقدت معه هيئة المحاسبين على أمل نشر هذه النتائج على الموقع الإلكتروني للهيئة.