تقوم إستراتيجية الرئيس ترمب للضغط على إيران على فرضية مهمّة، وهي وجود ما يكفي من طاقة إنتاج النفط الاحتياطية في أماكن أخرى من العالم للتعويض عن خسارة الإمدادات الإيرانية دون التسبب بزيادة غير مرغوب فيها وهي ارتفاع الأسعار. وعلى وجه الخصوص من المتوقع أن تزيد السعودية إنتاجها لتغطية معظم النقص. وفي حين تبدو هذه التوقعات منطقية، إلا أن كثرة العوامل المعنية تجعل التنبؤ بالحصيلة الدقيقة أمرا صعبا.
ويبدو أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن قد ألمح إلى هذه التعقيدات خلال فعالية أقيمت في 31 أكتوبر، حيث أشار إلى أن هدف الإدارة الأميركية كان التأثير على طهران، وليس على الدول التي تعتمد على النفط الإيراني، حيث قال: «نريد تحقيق أقصى قدر من الضغط، ولكننا لا نريد التسبب بالضرر لأصدقائنا وحلفائنا».
إن تكتيك إقناع عملاء النفط الرئيسيين لطهران بشراء نفطهم من أماكن أخرى لاقى نجاحا متفاوتا. ففي حين توقفت اليابان وكوريا الجنوبية عن شراء النفط الإيراني، أفادت بعض التقارير بأن الهند والصين وتركيا تعتقد أن الإمدادات العالمية ليست كافية لاستبدال مشترياتها من إيران.
وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن تتعاون بكين مع الولايات المتحدة، إلا أنها ترسل إشارات متضاربة. ففي 24 أكتوبر أفادت وكالة رويترز بأن اثنتين من كبرى شركات التكرير الصينية المملوكة للدولة لم تلتزما بتحميل النفط الإيراني في نوفمبر بسبب مخاوف من انتهاك العقوبات الأميركية. ومع ذلك، بعد يوم واحد، ظهرت تقارير تشير إلى أن إيران خططت لإرسال أكثر من 20 مليون برميل نفط إلى ميناء داليان الصيني في أكتوبر ونوفمبر، فيما يشكّل زيادة حادة عن الكميات الشهرية المعتادة. وتشير حكمة السوق إلى أن الصين ستواصل شراء نحو مليون برميل يوميا من النفط الإيراني، ولكنها ستساوم إيران بصرامة من خلال الإصرار على الحصول على أسعار مخفضة.
وعلى الرغم من الإنتاج غير المتوقع من فنزويلا وليبيا ونيجيريا، تشهد سوق النفط الراهنة استقرارا مفاجئا. ومع ذلك فإن إضافة إيران إلى المعادلة -وهي إحدى أهم المنتجين في «أوبك»- يمكن أن يجعل الوضع أكثر تقلبا. فقد سبق لطهران أن خسرت 1,2 مليون برميل من النفط في اليوم من إنتاجها بين شهري مارس وسبتمبر. وفي حين لا تزال روسيا تمثل عنصر مفاجأة يصعب التكهن به، فمن غير المرجح أن تُسدي أي خدمة للولايات المتحدة إذا استمرت الإمدادات الإيرانية في التضاؤل.
أما بالنسبة للحجم المتنامي من النفط الصخري [الزيت الحجري] الأميركي، فمن غير المحتمل أن يكون له تأثير سياسي حاسم على المدى القريب، حيث إن آبار حوض بيرميان أنتجت 3,5 مليارات برميل في اليوم خلال أكتوبر، إلا أن الحفاظ على الإنتاج المستدام يمثل تحديا من الناحية الفنية، ولا تزال الثقة في الزيادات الكبيرة منخفضة. وقد يتغير هذا المشهد إلى حد ما في عام 2019، عندما يمكن معالجة بعض القيود على خطوط الأنابيب بما يسمح بإنتاج مليون برميل إضافي في اليوم. وفي نهاية المطاف ستبقى الولايات المتحدة مستوردا صافيا للنفط.
على الرغم من أن الظروف مهيّأة لتحقيق نصر أميركي أوّلي على الأقل حول تقييد صادرات النفط الإيرانية، إلا أنه يجب الحفاظ على هذه الميّزة على مدى عدة أسابيع، وربما أشهر إذا كان الهدف إرغام طهران على تقديم تنازلات.
ومن المستبعد النجاح في التنبؤ باتجاهات سوق النفط بما يتعدّى المدى القصير جدا، نظرا إلى سهولة نقل هذه السلعة بالمقارنة مع مصادر الطاقة الأخرى. وهكذا ففي حين يُفترض أن تساعد العقوبات المالية في استنفاد قدرة إيران على تمويل مجموعة كاملة من وارداتها، إلا أن خفض عائداتها النفطية ليس بالرهان الأكيد.
وفي أسوأ الحالات فإن الزيادات في أسعار النفط سوف تعوّض عن التخفيضات في الإنتاج، مما يؤدي إلى تخفيف الأثر المترتب على عائدات طهران أو حتى إبطاله. وفي الوقت نفسه فإن المصاعب الاقتصادية التي يعانيها الشعب الإيراني سوف تزداد سوءا. وتستعد الحكومات الأوروبية المعارضة لنهج إدارة ترمب إلى اعتماد «آلية تمويل محددة الهدف» للحفاظ على استمرار التجارة الثنائية، مع وجود تداعيات غير مؤكدة على العقوبات الأميركية.
وفي النهاية، فإن استعداد طهران لتغيير سلوكها والتفاوض بشأن القضايا النووية والصاروخية والإقليمية يعتمد على الأرجح على مجموعة من الضغوط المستمرة. وإذا كان النفط هو نقطة الضغط الأكثر وضوحا، فهو في الوقت نفسه النقطة الأكثر احتمالا التي ستؤدي إلى عواقب غير مقصودة في أماكن أخرى.
سايمون هندرسون
زميل «بيكر»
مدير «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة» في معهد واشنطن