تتجه معظم الجامعات السعودية -إن لم تكن الكل- اليوم، إلى أسلوب جديد في توظيف كوادرها من أعضاء هيئة التدريس من: أساتذة، ومعيدين، ومحاضرين. وهو ما اصطلح على تسميته «بالاستيعاب الجامعي»، ويعني هذا المصطلح تعيين الجامعات على وظيفة أستاذ محاضر ومعيد، وذلك للأوائل على الدفعات بالمركزين: الأول والثاني كمعيدين ومحاضرين في الجامعة.

وفي اطلاعي على شروط الاستيعاب الجامعي بإحدى الجامعات، كان أول شروطها أنه لا يسمح بتجاوز صاحب المركز الأول إلى الثاني أو الثالث، حتى يعتذر صاحب المركز الأول عن شغره لهذه الوظيفة، وتقديم خطاب اعتذار موقّع منه، ثم بعد ذلك يكون التجاوز مسموحا.

الغريب في هذا الأسلوب التوظيفي اللا معقول، ليس كمية الظلم الواقعة فيه وإنما وجود أياد بيضاء في التعليم الأكاديمي تصفق له وتنادي به.

هذا النظام يعد نظاما ظالما وغير منصف في حق الخريجين والباحثين عن هذه الوظيفة، ومنهم أولى بها أولا، وفي حق الطلاب الذين ما يزالون على مقاعد الدراسة ثانيا، وثالثا في حق الجامعات بعينها وذلك لعدة اعتبارات.

أولا: إن الطالب صاحب المعدل الأعلى، لا يعني بالضرورة أنه الأكفاء والأميز والأجدر بتلك الوظيفة، إذ قد يكون مميزا في الحلول والإجابات على الورق فقط، ولكن تنعدم لديه فصاحة اللسان وبلاغة البيان، سيئ في الإلقاء، لا يجيد فن الحوار، ولا يمتلك شخصية المحاضر الجاذبة والمتماسكة.

ثانيا: الطالب في المرحلة الجامعية يختلف عنه في مراحل التعليم العام، فالطالب يأتي من اعتياده دراسة منهج محدد ملتزم بدراسته ومراجعته واختباره، أما في الجامعة فالتعليم واسع جدا، ويركز على استيعاب الطالب لأستاذه المحاضر، وتركيزه على كلمة يتفوه بها وتدوين الملاحظات والبحث والقراءة، فإذا كان المحاضر محدود الفكر والاطلاع، انعكس ذلك على طلابه.

ثالثا: الجامعات مسؤولة عن كفاءة مخرجاتها، وان كان اعتمادها على نظام الاستيعاب في توظيف أساتذتها ومحاضريها بهذه الطريقة، فهي بذلك تحد من تفوق طلابها، كما أن الأستاذ والمحاضر الجامعي هو ممثل للجامعة التي هو أستاذ فيها في المحافل والمؤتمرات، فإذا لم يكن هذا المحاضر مميزا وله حضوره، خسرت بذلك الجامعة واجبات المحاضر هذا تجاهها.

ولا يعني هذا أن جميع الأوائل في كل جامعة بهذا القدر من السوء الذي لا يؤهلهم إلى وظيفة الأستاذ الجامعي، ولكن هي شخصيات ومستويات بين شخص وآخر، ولا ينبغي الحكم فيها خلال المعدل فقط، فيكون الاختيار بسياسة انتقائية مناسبة، تتناسب مع أهمية هذه الوظيفة في إخراج طلابنا بالشكل المأمول منها، ولكن من الإنصاف في حق الجميع أن يختار لها الأميز والأكفأ، سواء كان الأول أو الثاني، أو صاحب معدل متوسط ذا كفاءات شخصية عالية.