حب الوطن، والدفاع عنه في السراء والضراء، والوقوف إلى جانب قيادته، والالتفاف حولهم، ومناصرة قضاياه في الداخل والخارج، يجب أن تكون جميعها «همّ المواطن السعودي» وصوته، وقلمه وضميره، وأن يبقى الوطن بعد الدين في أول أولوياته «فلا حياد مع الوطن»، ومن حاول أن يلتزم جانب الحياد مع الوطن، وكأنه يقول «ليس لي دخل»، أو يلتزم جانب الصمت، خاصة والوطن اليوم يواجه تكالب الأعداء في حملات إعلامية وسياسية غير مسبوقة، وقد اتضحت أهدافها، «فهذه خيانة وطنية»، من شاء أن يقبل هذا الكلام أو يرفضه فهذا رأيه.

لكن «لا صوت يعلو فوق صوت الوطن اليوم»، فما أكثر الذين شاهدناهم وهم يخوضون معارك إعلامية في السابق في قضايا هامشية في الصحف والفضائيات، وحمل بعضهم على «أكتافه» قضايا كقضايا المرأة، وكان يفرحهم عندما يقال عن بعضهم «نصير المرأة» -رغم أن تمكينها ودعم حقوقها في قلب ولاة الأمر من قبل- وكانوا يعقدون لتلك القضايا الهامشية هاشتاقات، ويملؤون الدنيا صراخا وزعيقا «إسقاط الولاية، عدم قفل المحلات أثناء الصلاة، السينما، دخول الملاعب، قيادة المرأة للسيارة»، وهي لا تقاس بقضية «أمن الوطن واستقراره»، وحين فتشنا عنهم والوطن في وجه عاصفة الحملات الإعلامية والسياسية المسعورة لم نسمع منهم ذاك الزعيق والصراخ الذي عهدناه عنهم، وصدعوا به رؤوسنا.

لا أشكك في وطنية أحد، ولا أوجه ذلك لأحد بعينه، لكني أعتب على من يرون المرجفين وأبواق الفتنة يصطفون للنيل من بلدهم، وقد جندوا رماح الغدر والخيانة، وصوبوها إلى بلدنا التي لم يصدر منها سوى الخير والسلام والإسلام، وحسن الجوار، فاكتفوا بالمراقبة، أو حضروا على استحياء ليسجلوا حضورا متواضعا.

من فينا لا يعرف ماذا يدبّر للسعودية أو ما يحاك ضدها، ومن الذي يقف خلف كل المخططات والمؤامرات ضد بلادنا، وما أحلامهم وأمنياتهم ورغبتهم في أن تسود حالة من عدم الاستقرار في بلادنا، وذلك من أجل وقف مشروع السعودية الجديدة، وأن يروها لا تختلف كثيرا عما حدث في مصر وسورية وليبيا وتونس، وغيرها من البلدان التي عمها الخراب والدمار، فيما سمي بالربيع العربي الذي انقلب إلى خريف كما شهدنا ذلك، ولا تزال تعاني تلك الدول آثار وتبعات محرقة الربيع.

لذلك يجب أن نعمل معا في أن تبقى بلادنا -بإذن الله- ثم بفضل تماسكنا مع ولاة أمرنا «عصية» على التفكك أو الانزلاق إلى صراعات داخلية كما يريدون، أو أن يكون مصيرنا كمصير دول سادتها الاضطرابات وعصفت بها الفتن الداخلية، ولم تعد تعرف الأمن، وبإذن الله ستنكسر كل أحلامهم على صخرة الصمود والتحدي وصلابة جبهتنا الداخلية في مواجهة كل مؤامراتهم وسنحبطها، وسنبقى مع قادتنا وولاة أمرنا في وجه كل مخططاتهم التي لم تتوقف، ولن نستسلم لكل أبواق الشر والفتنة التي تنفث سمومها تجاهنا، وكأنها محاولات ابتزاز رخيص لمواقف سياسية، فنحن نعلم أن زاد تلك الفضائيات في كل ما تستفرغه في نشرات أخبارها وبرامجها الكذب والتدليس والتضليل لخداع مشاهديها.

«إن وطنا لا نحميه لا نستحق العيش فيه»، هذه العبارة ما أجملها لو أنها تكون عناوين لخطباء مساجدنا في إحدى الجمع، وليتها تتصدر كل أغلفة المناهج الدراسية لطلابنا مستقبلا، وتتحول إلى عناوين لأنشطة تشهدها مدارسنا هذا العام الدراسي، كي نغرس في نفوس طلابنا محبة وطنهم، وأن يتعلموا من نعومة أظفارهم أن حب الوطن من الإيمان، ومن الوفاء، فهناك في بلاد كثيرة يعلمون أولادهم كيف يكرهون العرب، ويعلمونهم كيف يستعدون للحروب المقبلة، ويعلمونهم كيف يحبون أوطانهم، ويعلمونهم كيف يقاتلون أعداءهم، ونحن بحاجة إلى أن يعرف طلابنا وأولادنا بأن هذا الوطن «أمانة» في أعناقهم، فيتعلمون كيف يحمونه، فقد كافح الأجداد والآباء حتى وحدّوه وبنوه، وعملوا على تنميته وازدهاره، وكما أعطوا الوطن فقد أعطاهم حضن الأمان، وبات عليهم كأجيال اليوم ردّ الجميل لوطنهم، بأن يضطلعوا بدورهم للمحافظة على ما تحقق لوطنهم من مكتسبات، وكما قال أحمد شوقي «وللأوطان في دم كل حر.. يد سلفت ودين مستحق»، وجاء الوقت لرد الجميل للوطن، ولو رد اليسير مما أعطانا لنحميه حقيقة.

لقد كانت أزمة مقتل المواطن جمال خاشقجي كفيلة بكشف الأقنعة، حيث خرجت الفئران من جحورها وفضحت المتلونين، وأسقطت العملاء والخونة من زوار السفارات، وكشفت نوايا متسكعي لندن، وعرت المرتزقة من الإعلاميين العرب الذين كانوا يبطنون لنا خلاف ما كانوا يظهرون، فجميعهم كانوا يستهدفون وحدة الوطن، ويعملون على تشويهه حتى تتحقق لهم أجنداتهم، لكن لعلهم وصلوا إلى قناعة تامة وهم يلمسون هذه التكاتف بين الشعب وقيادته، وهذه الهبة لأبناء الوطن التي شهدتها «وسائل الإعلام الجديد»، فكانوا على قدر كبير من المسؤولية وهم ينافحون عن وطنهم وقيادتهم، بأن كل ما كانوا يخططون له، وكل نباحهم وعويلهم وصراخهم حتما سيذهب أدراج الرياح.

وسيبقى الوطن أبيا شامخا رغم أنوفهم وأنوف الذين يرون أن من يدافع عن وطنه «وطنجي»، وسيبقى قادتنا من «آل سعود»، وفي مقدمتهم سيدي سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده محمد بن سلمان، حفظهما الله ووفقهما، رموزنا وولاة أمرنا وقادتنا، رضي أعداؤنا أم أبوا، وستبقى بيعتنا لهم عهد وفاء ومحبة والتزام نجددها كل يوم، ولن نرضى بغيرهم بدلا، ومعهم وبهم سنردد أهازيجنا فرحين «يشهد لنا التاريخ في أوقات المحن... حنا هل العوجاء على الهقوى نزود/ يا شيخنا بالصوت نعلنها علن.. ونعاهدك ما عن عدو الله نحود»، ودام عزك يا وطن.