أصبحت جماعات الضغط أو اللوبيات المؤثرة داخل أروقة صنع القرار الأميركي، جزءا أساسيا من فلسفة الحكم الديمقراطي الأميركي، ومن خلال تكوين هذه الجماعات واللوبيات يستطيع الأعضاء أن يقابلوا الناس لعقد الصفقات وتبادل المصالح، وبالتالي التأثير على صناع القرار في السلطتين التشريعية والتنفيذية.

يتجلى في ظاهرة جماعات الضغط التأثير السياسي القوي للأثرياء، فالمواطنون الأثرياء والشركات العملاقة تتمتع بتأثير ونفوذ عاليين، عكس المواطنين العاديين الذين لا يحظون إلا بتأثير قليل يكاد يكون معدوما في بعض الأحيان. فالأثرياء وأصحاب الشركات هم القادرون على تبادل المصالح مع الشخصيات ذات النفوذ مقابل كسب التأييد والدعم المالي لحملاتهم الانتخابية أو بالدعاية أو الذيوع الإعلامي أو الوعد بمنح الأصوات إن هم ساندوا مطالبه وساعدوا على تحقيقها.

وجماعات الضغط قد تستخدم أسلوبا مضادا عن طريق التهديد بالحملات الإعلامية، أو تأليب الرأي العام أو القيام بحملات تشهير وإساءة للسمعة، وبلا شك إن جماعات الضغط لديها العلاقات المتينة مع وسائل الإعلام، وكل هذا يؤكد أهمية دور جماعات الضغط في توجيه السياسة الأميركية.

ويكاد يكون أشهر لوبي لدينا نحن العرب، هو اللوبي الصهيوني، الذي نعتقد أنه يخدم مصالح إسرائيل، ويقوم بالضغط على الأعضاء الذين لا يؤيدونها، أو الذين يتعاطفون مع القضايا العربية ويعمل على إحباط فرصهم في الانتخابات، إضافة إلى مساعيه لتحقيق أهدافها التي من أهمها كسب تعاطف الرأي العام الأميركي مع إسرائيل، ومساندة قضاياها والقيام بأنشطة إعلامية وصحفية وتعليمية تعمل على تحسين صورة إسرائيل.

ليس من المستغرب وجود جماعات ضغط يهودية مؤثرة وفاعلة في صناعة القرار الأميركي، فالعلاقة التاريخية والسياسية بينهما تفسر مثل هذا الوجود، ولكن ما يثير التساؤل هو وجود لوبي صيني مؤثر على صناعة القرار الأميركي، رغم أن العلاقة الأميركية الصينية هي علاقة يشوبها كثير من الارتياب، كون الصين قوة صاعدة دائما ما تصطدم بقوة الولايات المتحدة الراسخة التي ترى في الصين قوة متنامية تعمد منهجيا إلى تقويض التفوق الأميركي، وهذا ما يجعل الصينيين في حالة تأهب دائم من التحركات الأميركية الساعية لشل حركة الصين الصاعدة.

ورغم هذه العلاقة الارتيابية بين الصين والولايات المتحدة، لكن حجم التجارة الخارجية للصين يزداد أهمية بالنسبة للشركات الأميركية، حتى أصبحت السوق الصينية تمثل لهم جزءا مهما لا غنى عنه، وهذا يعني أن رجال الأعمال الذين يريدون التعامل مع الصين سيعملون كوسطاء مهمتهم عمل دعاية إيجابية ومطمئنة حول الصين، كما يقوم هؤلاء بتوضيح أن الصين ليس لديها أي طموحات سياسية، وكل أهدافها منصبة على التعاون التجاري فقط.

إن الشركات الأميركية الكبرى التي ترغب في التعامل مع الصين وإبرام الصفقات الضخمة معها، لعبت دور جهات الضغط المؤثرة، وشكلت جزءا من اللوبي الصيني الذي يقوم بنشر معلومات وتحليلات تعمل على تجميل وتحسين شكل الفائدة المشتركة من العلاقات الأميركية الصينية، وعدم وجود مخاطر من ورائها، إضافة إلى العزف على وتر حرية التجارة والليبرالية الاقتصادية، مع إظهار أي قرارات تحاول تحجيم التعاون مع الصين بأنها ممارسات غير عادلة تتنافى مع قيم ومبادئ السوق الحر.

لا شك أن اللوبي الصيني يتصف بالتنظيم والتطور، وهذا ما جعله مؤثرا رغم أن فكرة التقارب الأميركي الصيني فكرة خيالية لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، فالتمدد الاقتصادي الصيني ترافقه أزمة صناعية عميقة بدأت تظهر نتائجها في الدول الغربية، فجهات الضغط وجماعات المصالح تمارس أدوارها ضمن نطاق القانون، وهذا ما جعل الصينيين يغتنمون الفرصة بعد أن فهموا ديناميات النظام السياسي الأميركي للتأثير على صانعي القرار.

يشهد هذا المعترك السياسي المتلاطم الأمواج غياب الجالية العربية وجماعات الضغط العربي، وعدم ممارستها نشاطا فعالا على الساحة الأميركية، وهناك للأسف من يظن أن جهود جماعات الضغط تعد نشاطات غير قانونية، ويفضل التعامل المباشر عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة.

لقد أصبحت المؤسسات الإعلامية الأميركية تبيع المواقف وكأنها سلع تجارية، عملها في هذا الشأن أقرب للعمل التجاري منه إلى الخدمة العامة أو الوقوف مع حقوق الإنسان، فالحقيقة المطلقة هي ما تريده وسائل الإعلام التي يفترض أنها تجسد الحرية والديمقراطية.