تضطر أحيانا إلى أن تفرك عينيك لتتأكد أنه ليس هو. القامة الشامخة والنظرة الثاقبة، والطموح الهادر والفتوة الباذخة، والفروسية النبيلة والعمل الدؤوب، والجهد الكبير والبال الطويل، والنوم القليل والعمل المنظم، والثقة المفرطة والشجاعة المطلقة، والشباب المتوقد والتفكير العميق، والتخطيط الدقيق والخطوات المتسارعة.

خطوات القدمين، خطوات التنمية، الرؤية المتبصرة، رؤية الصقر ورؤية المستقبل.

تقول: إنه هو، وتتردد قليلا فتقول: كأنه هو، ثم تطرد التردد وتقول: إنه هو.

بل هو هو!

محمد بن سلمان، يعيد إلينا الملك الموحد حيّا من جديد، وهكذا فإن الأجيال التي حُرمت من معاصرة ذلك البطل الخالد، تُتاح لها اليوم فرصة ذهبية نادرة الحدوث، لتشاهده مرة أخرى على الطبيعة، وبصورة أكثر دقة ووضوحا، مما شاهده معاصروه الحقيقيون.

إذ يتابعون خطواته عبر وسائل الإعلام وقنوات التواصل، ويشاهدونه ليس بعيون سعودية فحسب، بل بعيون عربية وعالمية مختلفة.

الملك عبدالعزيز الذي لم ينعم برؤيته سوى القليل، ولم يرصد خطواته البطلة سوى المحظوظين، من كُتاب ومؤرخي عصره، عاد من جديد ليصبح حديث العالم بلا أدنى مبالغة، من مشارق الأرض إلى مغاربها.

أفكاره ورؤاه، خطواته ورحلاته ومعاركه التي يخوضها يوميا، مغمدا سيفه، شاهرا فكره، ملجما خيله، مطلقا أحلامه الخضراء في فضاءات بيضاء لا تحدها أرض ولا سماء.

الملك عبدالعزيز الذي فُتنتُ بسيرته الفخمة، وبوطنه العظيم الذي زرعه في قلب العالم نخلة شماء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، ورحتُ -كما هو حال جميع السعوديين من جيلي- أطارد أخباره في بطون الكتب، وأدير محركات البحث العالمية لأعثر على صورة تمتلئ بقامته الفارعة، أو تسجيل يحوي صوته، أو حتى صهيل أحد خيوله، أو فيديو يوثق بعض معاركة الطاحنة في شبه الجزيرة التي كانت قبله منسية.

أفتش عن رحلاته الكبرى، وأسائل عنها ليالي الصحراء الموحشة، وأيامها القاسية.

ها هو يعود اليوم في ظروف لم يتخل فيها العالم عن قسوته، بل ازداد ضراوة ووحشية، ولم تتخل فيها الليالي عن وحشتها، بل ازداد ضميرها صلابة وقسوة، ولم يتخل غاب العالم عن قوانينه، أو تتراجع الآساد عن مبادئها في اصطياد فرائسها بقانونها الغاشم: الغاية تبرر الوسيلة.

كلا، ولكن محمد بن سلمان -الحفيد- يعود حاملا مشعل الجد المجيد، في ظروف بالغة التعقيد،لا تقل صعوبة عن الظروف التي ظهر فيها المؤسس.

محمد بن سلمان، يظهر في زمن يستطيع فيه أصغر طفل أن يتهمه بأبشع التهم، ويسوق الحجج تلو الحجج، ويوالي بين الأدلة ويأتي بالبراهين، ثم يندفع خلفه كالموج الهادر آلاف المؤيدين والمناصرين والمتظلمين والمتمسكنين واللاطمين والصائحين والنائحين، في حملات منظمة وأخرى عشوائية، تكاد تضع عقلك في كفك. تغلق تويتر وفيسبوك وتليجرام وإنستجرام وسناب وواتساب، وتمسك برأسك لتتساءل: أين الحقيقة؟!

تغلق عينيك وتفتحهما على شاب يشبهك، يحمل اسمك، يلبس ثوبك، يحكي لهجتك، ويتكلم لغتك، ويجري في وجنتيه دمك، وتحت عقاله عقلك، وبين خافقيه قلبك، بل وطنك، وفي عينيه أحلامك.

يجوب العالم بخطواتك، رافعا علمك وفوق هامته رايتك، ويتدفق من ثغره اسم بلدك المملكة العربية السعودية، غضّة طرية كما نطقها الجد قبل قرن من الزمان، فتتضح الحقائق وتزول الغشاوات، وتسري في الجسد قشعريرة الفخر، وتنهض -لا شعوريا- لتؤدي التحية العسكرية لعلم بلادك الخفاق في كل بقاع الأرض وأصقاع العالم، وأنت تردد:

يا موطني

موطني عشت فخر المسلمين.