نصت المادة الرابعة من قانون الإجراءات الجنائية أنه «يحق لكل متهم أن يستعين بوكيل أو محام للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة».

ونصت كذلك المادة «70» من القانون ذاته، أنه «ليس للمحقق أثناء التحقيق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه، وليس للوكيل أو المحامي التدخل في التحقيق إلا بإذن من المحقق، وله في جميع الأحوال أن يقدم للمحقق مذكرة خطية بملحوظاته، وعلى المحقق ضم هذه المذكرة إلى ملف التحقيق»، ما يحدث في غالب الأحيان في النيابة العامة، أن المحقق المختص يوسع المادة «70» وتحديدا تدخل المحامي، ويرى أن حضوره من الأساس يعدّ تدخلا، وبالتالي لا يحضر المحامي مع المتهم، وحضوره ضمانة مهمة جدا جدا، فهو يمارس رقابة غير مباشرة خارجية على المحقق خلال أدائه عمله.

فالمادة «70» كأنها فسّرت الماء بعد الجهد بالماء، فقد قالت: ألا يُعزل المتهم عن محاميه، ولكنها في الوقت نفسه جعلت للمحقق سلطة أن يقول في تدخل المحامي في التحقيق، فيعزله عن موكله، وكأن المادة لا فعالية لها على أرض الواقع.

في الحقيقة، إن هذا الأسلوب في صياغة النصوص الجنائية يتكرر في بضعة مواضع أخرى، منها ما ذكر في القانون ذاته المادة «187»، والتي ذكرت «كل إجراء مخالف للشريعة الإسلامية، أو الأنظمة المستمدة منها، يكون باطلا».

فهنا، كأن المشرّع من وجهة نظري يأخذ بالبطلان المطلق الإجرائي، إذا ما علمنا أن الالتزام به يهذّب السلطات التنفيذية التي تمارس الضبط الجنائي، ويجعلها تحترم الإجراءات الجنائية، وتتبعها حرفيا، ويرسخ خبرتها الفنية في مقابل مراعاة مصلحة الفرد وحريته الشخصية، ولكن جاءت المادة «189» ونصت على «إذا كان البطلان راجعا إلى عيب في الإجراء يمكن تصحيحه، فعلى المحكمة أن تصححه، وإن كان راجعا إلى عيب لا يمكن تصحيحه فتحكم بالبطلان»، تكرر هذا الأسلوب الذي ينسف فعالية النصوص الجنائية وفيه من الغموض الكثير، يجعلني في الحقيقة لا ألوم النيابة العامة وألومها في الوقت نفسه.لا ألومها لأن من صاغ قانون الإجراءات الجزائية في اللجان المتخصصة وجب عليهم أن يكونوا واضحين بشأن ضمانات المتهم ونظرية بطلان الإجراء، وألوم النيابة العامة لأنها لم تتحرك -وهي المدافعة عن المجتمع- لاقتراح تغيير هذه المواد الجنائية، وتأصيل ضمانات المتهم ونظرية البطلان بحكم أن هذا القانون.

قانون الإجراءات الجنائية يتعلق بصميم عملهم، علينا في هذه المرحلة من الرؤية الوطنية 2030، أن ننتقل من فلسفة الرقابة الداخلية إلى فلسفة الرقابة الخارجية، والتي فيها -على سبيل المثال- يمارس المحامي رقابة غير مباشرة على المحقق، وهكذا في شتى المجالات القانونية الأخرى، فمثلا لدى النيابة العامة قواعد ولوائح داخلية تحكم عملها، ورقابة ولكنها داخلية، وقد لا تكون فعالة للغاية.

لذا، فإن فلسفة الرقابة الخارجية نحتاج إلى توسعتها لتكون إستراتيجية جديدة على مستوى الدولة، وفيها تفعل الرقابة الخارجية المنظمة بنصوص أو المجتمعية، لاكتشاف مواطن الفساد والإهمال.