تعدّ الحركة الكشفية العالمية من أكبر المجموعات المجتمعية الشبابية في العالم، ومن أكثرها نشاطا. كما يبلغ عدد أعضائها قرابة 32 مليونا، في أكثر من 200 دولة، مما يجعل عدد أعضائها اليوم يفوق عدد سكان دولة أستراليا.

لم تكن فكرة تأسيس منظمة كشفية متصدرة في ذهن مؤسسها الجنرال بادن باول، وكان أول جهوده غير المقصودة في هذا المجال، عندما قام بنشر كتاب قد ألّفه لزملائه الجنود عام 1903، بعنوان «المساعدات إلى الكشافة»، ليفاجأ أن هذا لم يكن فقط مفيدا لزملائه في هذا المجال، بل حاز على إعجاب فئة كبيرة من قادة الشباب والمعلمين من جميع أنحاء البلاد، ممن لديهم اهتمامات في تعليم قوة الملاحظة والبراعة في اختراق الغابات.

التفت الجنرال بادن باول إلى تطوير فكرته لتخدم الشباب والمجتمع، وقام بإعادة صياغة كتابه ليخاطب تلك الفئة بلغتها.

وبعد نشر كتابه الثاني، أقام بادن باول مخيّما ليطبق نظريته على 20 من الفتيان تم اختيارهم من طبقات مختلفة، قضوا هذه التجربة على جزيرة براونسي في «دورست» تحت قيادته، ليصبح نجاح ذلك المخيم نقطة البداية للحركة الكشفية العالمية التي تأسست رسميّا عام 1907، وتبعتها ببضعة أعوام حركة المرشدات الكشفية.

ترشح بعدها بادن باول حوالي 21 مرة لجائزة نوبل للسلام، وذلك تقديرا لجهوده في نشر الخدمة المجتمعية بين الشباب.

يمكن تعريف الكشافة والمرشدات على أنها حركة كشفية، تطوعية وتربوية تعد من أكبر المجتمعات المدنية الشبابية في العالم.

تعدّ الكشافة من أهم مدارس الحياة، إذ إن البيئة الكشفية تعلم الشباب واليافعين مهارات الحياة المتعددة، وكيفية العيش في الخواء والتكيف مع البيئة، مما ينمي عند الشباب الذكاء الجسدي والعاطفي والبيئي، ويعزز من القيم الجوهرية وحب العمل والعطاء والتعايش والخدمة المجتمعية، في أجواء تجمع بين المرح والمغامرة.

إضافة إلى ذلك، تم قياس الأثر الإيجابي للكشافة على الفرد، خلال كثير من الدراسات الحديثة التي أشارت إلى أن الأشخاص الذين شاركوا في شبابهم في الكشافة والإرشاد، يتمتعون بأكبر قدر من الصحة النفسية والذهنية على المدى البعيد، مما يجعل أثرها الإيجابي ليس فقط على المجتمع، بل على الفرد أيضا.

للمملكة العربية السعودية تجربة ناجحة في تصميم مبادرة كشفية معاصرة، وكانت بدايات تلك الفكرة عام 2001، عندما استقبل الملك عبدالله -رحمه الله- وفدا من الكشافة السعوديين في مدينة الجبيل لتهنئتهم، تقديرا لجهودهم المجتمعية الفعالة، وفي ذلك اللقاء أطلق عليهم لقب «رسل السلام».

وعقبه برنامج «هدية السلام» إلى أن تطور الأمر في سبتمبر عام 2011، حين شهد العالم الكشفي الولادة الحقيقية لمبادرة «رسل السلام» العالمية والتي أطلقتها المملكة العربية السعودية في مخيم السلام العالمي الثاني الذي استضافته في مدينة جدة، وبحضور ملك السويد الرئيس الفخري لصندوق التمويل الكشفي العالمي كارل جوستاف السادس عشر.

ويزين شعار مبادرة «رسل السلام» 3 رموز: الحمامة، وغصن الزيتون، وشعار المملكة العربية السعودية «السيفان والنخلة»، باعتبار المملكة هي الدولة الرائدة والداعمة للمشروع.

وكان إطلاق المبادرة العالمية يتوافق مع مناسبة الاحتفال باليوم الوطني السعودي الـ81، ولم يكن ذلك صدفة، إذ إن رؤية المبادرة ترتكز على 3 أهداف: الإسهام في تحقيق التنمية محليا وعالميا، ونشر السلام، وتفعيل الحوار بين الشعوب. ورسالته تتمثل في ترجمة مشاعر حب الوطن إلى ممارسات المواطنة الإيجابية، لخدمة المجتمعات المحلية والعالمية.

وحددت المبادرة بأن تكون المواطنة منطلقا للممارسات الفردية والجماعية على المستوى الوطني والعالمي. واليوم بعد 7 سنوات من إطلاق المبادرة بشكل رسمي، تم خلال كشافة «رسل السلام» تنفيذ مليار ومئة مليون ساعة مجتمعية وحوالي 8.3 ملايين مشروع عالميا.

مفهوم الريادة السلمية والمواطنة حديث على المجتمعات الغربية، لكنه أصبح في الآونة الأخيرة رائجا في الخطابات العالمية.

المملكة العربية السعودية رائدة في مفهوم المواطنة وخدمة المجتمع، وقد استطعنا خلال مشاريع عالمية -كمبادرة رسل السلام- تصدير قيم المواطنة الإيجابية والسلام. أتمنى لو تقوم وزارة التعليم بدراسة الموضوع، والنظر في كيفية الاستفادة أكثر من هذا النموذج الناجح عالميا، المبتكر محليا، بحيث يقومون -على سبيل المثال- بإدراج نشاطات الكشافة والمرشدات في المنهج كمادة تطبيقية إلزامية في المقررات التعليمية، وتقييم الطلاب بناء على معايير مرتبطة بأنشطة متعلقة بمشاريع تخدم المجتمع، والأهداف التنموية المحلية والعالمية، وبذلك يستطيع الطالب تطبيق علوم الحياة في أجواء ترفيهية وترويحية، وممارسة مواطنته خلال خدمة المجتمع، بدافع القيم الجوهرية والمبادئ السلمية.

إضافة إلى ذلك، يتم استخدام نموذج سلسلة القيم حتى نستفيد من الموارد البشرية المحلية العظيمة، التي تم الاستثمار فيها في المراحل الدراسية خلال وضع إطار تنظيمي تحت منصة عالمية تعليمية وتشغيلية بقيادة المملكة، بمسمى الريادة السلمية المتضمن مشروع رسل السلام كأحد المشاريع المتعددة الناجحة للمملكة في هذا المجال.