تصلني تساؤلات كثيرة حول التطوع، منها ما يتعلق بالجهات، ومنها ما يتعلق بالرغبة في التطوع، مع غياب الآلية الواضحة له عند المقبلين عليه، ومنها مواقف للمتطوعين يرغبون في تسليط الضوء عليها إعلاميا.
قبل سنوات كانت عندي أسئلة عن التطوع، وسألت عنها حينها عددا من أيقونات التطوع، وكانت الإجابات في غالبيتها مقتضبة، أو تحكي عن ضرورة وجود الرغبة الصادقة في خدمة المجتمع بلا مقابل، وهذا صحيح لكنه غير كافٍ.
يشكل التطوع حاليا ترسا من تروس رؤية 2030 الواعدة، ولذلك ينبغي التذكير بأدبياته، والتأكيد عليها من القائمين عليه وممارسيه، ولهذا الهدف تحديدا أكتب السطور التالية، وأوجهها لمن ينوون التطوع من الجنسين.
-1 تطوع بمهاراتك في الشيء الذي تتقنه بشكل رئيس، وكن متفتح الذهن كفايةً، لممارسة ما تريد إتقانه في المستقبل، أو ما تعتقد أنه سيضيف لرحلتك المهنية إضافةً معتبرة. أنا -مثلا- أتطوع سنويا في مؤتمر واحد على الأقل متخصص في اللغة والتدريس، لأنهما صميم عملي ومهنتي.
-2 لا تسمح باستغلال جهدك من الجهات المنظمة للمعارض دون مقابل، غالب هذه الجهات لديها بنود مادية لمنظمي منتدياتها ومعارضها، وإشغال وقت المتطوعين بهذه الأعمال يندرج تحت بند الاستغلال والتوفير المادي لا التطوع.
منحك شهادة بساعات التطوع لا يكفي إذا كانت الجهة تتلقى مقابلا مجزيا على خدماتها.
-3 ستلتقي خلال رحلة التطوع بنوعيات مختلفة من البشر، منهم من ستتفق معه ومنهم غير ذلك، ركِّز على هدفك وهدف المشروع الذي تتطوع فيه، وتجاوزْ الشخصنة. العمل التطوعي يحيا بالتقبل ويموت بالتركيز على الأشخاص.
-4 ابدأ مبكرا واحتفظ بمفكِّرة تدون فيها الدروس الشخصية من التطوع، هذه الدروس مختلفة المصادر منها رؤساء المجموعات، ومنها الفئات المستهدفة بالتطوع، وأولها وأهمها أنت، نيّتك وتوجهاتك، ستتعرف كثيرا على نفسك من خلال الأنشطة التطوعية التي تستهويك.
-5 إدارة الوقت مهمة، لكن إدارة الجهد أكثر أهمية، لذلك حدد ساعات تطوعك كل شهر ولا تتجاوزها، لأن مهام حياتك الأخرى لن يقوم بها غيرك.
-6 لا تخجل من السؤال عن عقد التطوع الذي ينص على حقوقك وواجباتك وساعات العمل، الجهة التي لا تهتم بهذه التفاصيل هي التي يجب أن تخجل من عجزها عن مواكبة التطور الثقافي والتنموي لإدارة التطوع.
وإن كان من كلمة في هذا المقام، فهي لمن يعلنون رغبتهم في استقطاب المتطوعين من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، ويمهرون إعلاناتهم بكلمة «توجد شهادة»، لا تخدعوا الشباب والشابات باسم التطوع، ولا تأكلوا جهد الناس بالباطل، وأنصفوا لعل الله أن يبارك لكم وبكم، ادفعوا للمتطوعين حدا أدنى من الأجور في الساعة، ولتكن هذه مساهمتكم الفاعلة في تحقيق الرؤية 2030 التي تضعون شعارها على أنشطتكم.
ينبغي كذلك على كل الوزارات المعنية -كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية ووزارة السياحة ووزارة الثقافة وكل الإدارات في الجامعات والجهات الحكومية وشبه الحكومية المسؤولة عن الأنشطة والمبادرات- ألا تسمح بمرور هذه التجاوزات أمام أعينها، ضعوا قانونا واضحا يحكم معاملات التطوع، ولا تتركوه منفلتا بلا ضابط، لأن التطوع مثمر للجميع فعلا، والأولى بثماره هم من يبذلون الجهد فيه.
أكرر هنا ما طلبته من مسؤولي تحقيق الرؤية في الجهات المختلفة ومن مكتب تحقيق الرؤية في مقال سابق حول التطوع باستنطاق المؤشر (6.1.2) وهو كما يعرف المهتمون المؤشر الخاص بتشجيع العمل التطوعي من ملف الرؤية، وذلك بربطه بعدادٍ لحظيٍ يحدَّث آليا مع كل متطوع يتم تسجيله في أي جهة، مع تحديث ساعات التطوع ونوع الجهة أيضا، فثقافة الأرقام لها الغلبة في عالم يعترف أولا بمؤشرات الأداء.