أول تلك الأزمات أو النكبات تزايد ظاهرة (السحر) سواء بتزايد المرضى الذين يتوهمون أنهم مسحورون، أو تزايد الذين يدعون ممارسة السحر، وتزايد ظاهرة القصص التي هي أغرب من الخيال والتي تأتي أحياناً على لسان مسؤولين في جهات اعتبرت مواجهة السحر والسحرة هي الأكبر كطيران الخادمات عبر النوافذ، وإفلات الساحر من قبضة المسؤول بطريقة إعجازية تبقي ثياب الساحر (الخارجية والداخلية) في يد المسؤول. وفي رأيي أن بعض المؤسسات الدينية مسؤولة عن تعاظم الدجل والشعوذة في النفوس لحد التوهم أنه (سحر) له أثر فاعل، إذ وصل الأمر لحد أن بعض الهيئات الدينية أنشأت إدارات خاصة بالسحر، ليس فقط في مركزها الرئيسي بل وفي فروعها في المناطق والمحافظات أيضاً. ومن الأمور العجيبة أن بعض العاملين في تلك الإدارات أصبحوا يدلون بشهاداتهم أثناء التحقيق في بعض الجرائم الغريبة الشاذة، التي تنسب أحياناً للسحر هروباً من عظم المسؤولية، كما حصل في جريمة الإخوة الذين قتلوا والدتهم منذ عدة أسابيع، وقد نشرت وسائل الإعلام أن المختص بالسحر في الجهة الدينية الواقعة في المحافظة التي وقعت فيها الجريمة قد أكد في شهادته أن من قاموا بقتل والدتهم كانوا تحت تأثير السحر، وكما حصل في حادثة القاضي الشهيرة كما نشرتها وسائل الإعلام والتي تقدم فيها أحد الرقاة بشهادة أن القاضي مسحور.
وثاني تلك النكبات التي زادت وطأتها على السعوديين في عام 2010 استشراء ظاهرة الرقية (غير الشرعية) إذ لم يعد الأمر مقتصراً على ظاهرة استقبال الرقاة (المدعين) الأفواج من طالبي الرقية، والقراءة عليهم بشكل جماعي في مظهر هزلي، ولا على بيع علب مياه الصحة بالكراتين بعد القراءة فيها (حسب الادعاء) ولا على القراءة في وايتات الماء لتسقى بها المزارع والاستراحات ولا على القراءة (عن بعد) ولا على النفث على صدور النساء في خلوة غير شرعية، بل وصل الأمر لحد استخدام الصعق الكهربائي أثناء القراءة لاستخراج الجني في مظاهر مأساوية أدت وتؤدي للوفاة وتكرِّس الانتهازية واستغلال المرضى وعدم المبالاة والجهل الشديد.
وثالث تلك النكبات المطبات الصناعية، وهي ظاهرة فريدة (بما هي عليه من كثرة وأشكال) لا مثيل لها عند غيرنا، وهي تبرز بوضوح حجم التقدير وطبيعة النظرة للمسؤولين في الأجهزة المختصة للمواطن السعودي، إذ يعطي هذا الانطباع بأنهم ينظرون له على أنه جاهل متخلف لا يصلح معه إلا (تربيطه) بتلك الطريقة جاهلين أو متجاهلين ما تحدثه تلك المطبات من آثار بدنية ونفسية سيئة، ومن أضرار مادية ضخمة. وقد تم اللجوء لهذه الوسيلة البدائية لكونها لا تأخذ من المسؤول وقتاً ولا جهداً في حين أن وسائل المعالجة الأخرى السليمة تتطلب بذل الجهود الكبيرة وتحمل المكاره والصعاب.
ورابع تلك النكبات ظاهرة انتشار الكتل الخرسانية في الشوارع حتى تحولت بعض الشوارع إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، ولم يعد الأمر مقتصراً على سد بعض فتحات الشوارع، والاستيلاء على الأرصفة، بل تم تعميمها في الشوارع حتى في حالات التجريب العجيبة التي أصبحت تمارسها الأجهزة المختصة في الشوارع لمعالجة الاختناقات. وقد تطور الأمر أخيراً بدرجة خطرة ومزعجة، فلم يعد الأمر مقتصراً على صف تلك الكتل بمسافات طويلة محاذية للأرصفة بل أصبحت توضع في منتصف الشوارع، بطريقة لا يمكن توقعها أو تصورها أبداً وأحياناً تغلق بها الشوارع بشكل كامل لتفاجأ وأنت تسير بسرعة سبعين أو مئة بأن الشارع مسدود في وجهك بكتل خرسانية.. أمر عجيب!!
وخامس تلك النكبات التي زادت استفحالاً في عام 2010 ظاهرة البطالة، وهي ظاهرة مبكية مضحكة، فهي مبكية لتفشِّيها اللافت بين الشابات والشبان الجامعيين وحملة الماجستير والدكتوراه، ومضحكة لكونها تحدث في مجتمع يعتمد في كثير من شؤونه على العمالة الأجنبية، الأمر الذي يؤكد العجز الشديد لأجهزته المسؤولة ويفصح عن أن حل تلك المشكلة لا يمكن أن يتم إلا بالصدمة والمواجهة والثورة على النفس.
وسادس تلك النكبات التي واصلت خنق السعوديين في عام 2010 تزايد الفجوة بين حقوق الرجل وحقوق المرأة وحركة الرجل وحركة المرأة وطموح الرجل وطموح المرأة، وآمال الرجل وآمال المرأة. وقد لفت نظري ما قرأته من عدة أسابيع من أن هناك لجنة (رجالية بالطبع) من مهامها تحديد شكل وطبيعة وألوان عباءة المرأة، كما قرأت أن هيئة الأمر بالمعروف صادرت من السوق كميات كبيرة من عباءات النساء بحجة عدم مطابقتها للمواصفات التي حددتها تلك اللجنة (ولا أدري اعتماداً على أي مادة أو فقرة في نظام الجزاءات تفعل الهيئة ذلك)، وبصراحة من اللافت جداً أن يحدد الرجل للمرأة شكل ولون عباءتها، في حين أنهم، أي الرجال (بمن في ذلك المشايخ) يتفننون في أشكال وألوان عباءاتهم فيلبسون تلك البشوت الأنيقة بزريها الأصفر العريض اللامع ويتسابقون في اقتناء الجديد المثير، ويزداد عرض الزري كل عام، وهم يفعلون ذلك ليزدادوا أناقة وجمالاً وهيبة حتى في عيون النساء، فما الذي يحُِّل هذا المظهر اللافت الفاتن ويحرِّم على المرأة مجرد بعض التطريز وبعض الألوان للتغلب على النمطية؟
وسابع تلك النكبات استمرار تراجع إنتاجية الفرد وجديته وحيويته، وتزايد اتكاليته وكسله (وتنبلته)، وهذا يهدد المجتمع السعودي برمته وينذر بخطر كبير قادم إذا لم يتم تدارك الأمر. وأعتقد أن النظامين الاقتصادي والتعليمي هما المسؤولان عن ذلك.
وثامن تلك النكبات تزايد تكلفة المشاريع وتصاعدها بشكل مدهش، وقد رأينا كم بلغت تكلفة توسعة الحرم المكي التي جاوزت الأربعين ملياراً وتكلفة جامعة الأميرة نورة التي قد تبلغ الثلاثين مليار ريال، وتكلفة تطوير مطار جدة التي تم إعلانها منذ عدة أسابيع، وتنامي تكلفة المشاريع بهذا الشكل خطر، لكن الأخطر منه ما يترتب على مثل تلك المشاريع من تكلفة عالية سنوية على الميزانية لصيانتها في المستقبل.
وتاسع تلك النكبات استفحال ظاهرة تأخر تنفيذ صيانة الشوارع في المدن، وتمديدات المياه والكهرباء والصرف الصحي، فهذه الأعمال مع بساطتها أحياناً تستمر شهوراً عديدة وبعضها يستمر سنوات، ومع ذلك لا تنفذ تنفيذاً جيداً، وفي الحي الذي أسكن فيه الآن مشاريع للصرف الصحي انتهت أو على وشك الانتهاء، بعد أكثر من خمس سنوات، وأرصفة تنفذ بشكل مضحك للغاية، وتمديدات للمياه تنفذ بشكل بطيء وسيّئ جداً، وهذا يفصح عن انحدار شديد في مستوى التنفيذ والرقابة والإشراف.
وعاشر تلك النكبات تراجع دور الفرد في حماية نفسه أمام الأزمات الإقليمية والدولية، أو على الأصح تراجع شعوره بالقدرة على ذلك، وبالتالي تزايد خوفه من المشاكل الكبرى التي تتجمع نذرها بين الحين والآخر في سماء المنطقة العربية والإسلامية ثم يتزايد شعوره باليأس والعجز عن حل قضاياه الكبرى، وهذا التراجع والشعور باليأس والعجز جعل البعض يلجأ للطرق اليائسة التي لا يمكن أن تحقق شيئاً غير تشويه سمعة الوطن والأمة وإلحاق الأذى بأبنائها.
هذه عشر نكبات كانت سطوتها تزداد في عام 2010 على السعوديين، وهذه مجرد نماذج لظواهر ومشكلات أخرى، نسأل الله أن يخفف وطأتها علينا في العام الجديد 2011 وأن يجعلنا قادرين على مواجهتها بروح جديدة ووعي جديد. كما أسأل الله أن يحفظ وطننا وأمتنا ويمدنا بالعون على مواجهة أزماتنا. إنه سميع مجيب.