عشرات المساجد والعمائر والبيوت القديمة، الأثري منها والمتهالك والمهجور، شُيدت في أوقات مختلفة، وفي أزمنة متعددة، بالحجارة والتراب والأخشاب، وأخرى شيدت بالخرسانة المسلحة.

الأوطان تقاس بحضارتها، وأصالة تراثها، وإرثها وآثارها القديمة، وروعة منجزاتها العصرية، وبمدى اعتزازها بماضيها وحاضرها ومستقبلها.

التراث العمراني ما زال يعمل وفق مسارات ضيقة ورؤية أضيق، ولم يقدم خارطة طريق ليشتغل عليها من باب ممارسة المهام الفعلية وتحقيق الأهداف، والحال كذلك للجهات ذات العلاقة، لأنها اهتمت بالقشور وتركت الأهم من المهام.

لدينا في أبها على سبيل المثال: مساجد ومبان تراثية وتاريخية يتجاوز عمرها مئات الأعوام، وما زالت شامخة وتحتاج إلى جهود رسمية واستثنائيه، فهي الوجه المشرق للإنسان والمكان، وإعادة وهجها يجب أن يكون تحت مظلة رسمية، وبدعم وبمباركة رسمية، وهذا يعزز قيمتها الحقيقية، ويبرز الدور الرسمي الذي سيُخلد في ذاكرة الملاك والمجتمع بمداد من ذهب، ويؤكد على دور المملكة واهتمامها بالتراث عالميا.

ولدينا مبان متهالكة بنيت في الماضي القريب، ونسبة 95% منها يحتاج إلى إزالة عاجله لأنها أصبحت مواقع ضارة صحيا وأمنيا وتنمويا، ولا تشكل إزالتها أي ضرر تاريخي.

النوع الثالث، وجود عمائر ضخمة وسط أبها، وذات أدوار متعددة، وأخرى عمائر ذات ارتفاعات منخفضة في مواقع مختلفة، وهذه العمائر مهجورة، وتشكل خطرا حقيقيا على المستويات كافة، والصمت تجاهها أمر يطرح كثيرا من الأسئلة؟

نتفق جميعا على أن آلية العمل والمتابعة الميدانية، وأساليب التعاطي مع المساجد والمباني الأثرية والعمائر الخرسانية والبيوت القديمة، المتقادمة منها والمتهالكة، ما زال أمرا تكتنفه الضبابية والغموض، لأنه يدار من أناس غير متخصصين.

من الأهم تقديم الأولويات، وإيجاد شراكه حقيقية وفاعلة بين التراث العمراني والبلديات والدفاع المدني والإسكان، تحت مظلة الهيئة العليا حال تفعيل مهامها، لإيجاد خارطة طريق لتطوير ما يستحق التطوير، أو ما يستحق الإزالة، أو ما يستحق الصيانة.

التراث العمراني يجب أن يتعامل مع الملف الخاص به نخبة من المتخصصين في هذا المجال، وكل ما أتمناه ويتمناه أي مواطن هو رؤية التراث العمراني بـ«أبها» في حلته التاريخية الحقيقية، ومواكبة المدينة للتطور العصري الذي يلامس أهمية المملكة وسمعتها أمام قوافل السائحين، حتى تُنقل الصور المشرقة، للحضارة الأبهاوية الضاربة في أعماق التاريخ.

«أبها» في الدولة السعودية الثالثة، تجاوزت الـ100 عام بكل فخر، ويجب أن يكون لها النصيب الكبير من جهود «التراث العمراني»، خلال فرض الطابع العسيري بجماله وروعته على البناء السكني والتجاري، وحفظ المواقع التاريخية العريقة بالجهد الرسمي، وفاء للإنسان والمكان.

الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير، وسمو نائبه الأمير تركي بن طلال، هما الأحرص على الاهتمام بالتراث العمراني، ولهما مني ومن المجتمع الأبهاوي والعسيري كل التقدير والاحترام والإجلال، ونقدر عاليا ما يقومان به من جهود لخدمة الإنسان والمكان.