حلّت قبل أيام ذكرى اليوم العربي لمحو الأميّة، الذي يصادف الثامن من يناير من كل عام، والذي لم يسمع به كثير من الناس أصلا، وكانت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو» التابعة لجامعة الدول العربية ذكرت في تقرير لها مطلع سنة 2018 أن هناك انخفاضا في نسب الأمية في العالم العربي، حيث كانت تبلغ 37% في 1970، وفي 2018 انخفضت لـ21%، أي أنّ عربيا واحدا من كل خمسة هو أمي لا يقرأ ولا يكتب، على تفاوت بين الدول العربية في ذلك، والأمية بين الإناث تصل إلى 25% وبين الذكور 14%.

وبمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية لعام 2019 أصدرت «الألكسو» بياناً ذكرت فيه المعلومات التالية عن مستوى الأمية اليوم في عالمنا العربي:

- المتوسط العالمي لمحو الأمية هو 13%، حيث يقدر أن هناك 800 مليون أمّي في العالم، منهم 70 مليون أمّي عربي، مما يكشف عمق الفجوة الأمية في عالمنا العربي.

- نسبة الأمية في الوطن العربي مرشحة للزيادة نتيجة عدم التحاق قرابة 13 مليون طفل بسبب النزاعات والصراعات المسلحة وموروثات اجتماعية وثقافية، مثل الزواج المبكر والتفكك الأسري والوضع الاقتصادي المحلي وعمل الأطفال والفقر والبطالة.

- اعتمدت القمة العربية الـ25 بالكويت 2014 مبادرة العقد الحالي «عقدا للقضاء على الأمية في جميع أنحاء الوطن العربي 2015-2024»، لكن عدم وضع برامج حقيقية وابتكار حلول إبداعية مناسبة لهذه المبادرة سيجعل الوصول لهذا الهدف في مهب الريح.

- التحدي لا يقتصر على محو الأمية الأبجدية، والإلمام بمبادئ القراءة والكتابة فقط، ولكن يتضمّن أيضاً العمل على محو الأمية الرقمية والثقافية وصولا إلى مجتمع المعرفة.

هذه هي خلاصة بيان «الألكسو» والذي هو بمثابة دق لناقوس الخطر لكارثية الحالة الأمية في عالمنا العربي، ولو وسّعنا دائرة النظر لننتقل من الدائرة العربية إلى الدائرة الإسلامية فسنجد إحصاءات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» في 2014 تكشف عن أن نسبة الأمية بين الذكور تصل لـ 40%، وتزيد لنسبة 65% بين الإناث في العالم الإسلامي، مما يفاقم المشكلة بشكل كبير جداً.

هذه هي حالة الأمية الصريحة في عالمنا العربي والإسلامي، لكن الأمور ستكون أكثر كارثية لو تعمقنا في تفحص حالة الأمية التعليمية أصلا!!

فتقارير «الألكسو» تحذر من أن 7 – 20% من أطفال العالم العربي يتسربون من التعليم خلال المرحلة الابتدائية، وقد تصل النسبة في بعض الدول إلى 30%، وهذا يجعل نسبة الأمية تزيد بشكل كبير.

ولا تقف الكارثة عند هذا الحد، بل إن مما يزيد الأمر سوءًا هو تفحص جودة التعليم ومستوى التحصيل العلمي لدى الطلبة لنصطدم بكارثة مفجعة جدا، فتقارير المراكز التربوية الرسمية في الدول العربية في السنوات الماضية تكشف عن تدني مستوى إتقان القراءة والكتابة لدى طلبة المرحلة الأساسية بشكل مؤسف جداً، ففي الأردن 22% من الطلبة لا يجيدون القراءة والكتابة، وبرغم قلة عدد سكان الأردن فهذه النسبة تعني وجود 100 ألف طالب لا يستطيعون القراءة، فكيف بالدول العربية الأكثر سكانًا؟ وفي فلسطين والسودان تبلغ النسبة 40%، وتصعد في مصر لمستوى خطير وهو 78%، أما في اليمن فالأمر وصل لمرحلة الوفاة حيث 100% لا يجيدون ذلك! بل أعلن وزير التربية والتعليم اليمني أن 301 مدير مدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة، وأن آلاف المعلمين يحملون شهادات مزوّرة، وأنهم ليسوا مؤهلين للتدريس!!

ويكفي مطالعة رسائل الواتساب لمعرفة مقدار الأخطاء الفاحشة في الكتابة، فضلاً عما ينشره بعض المعلمين في وسائل التواصل الاجتماعي من إجابات الطلبة في أوراق الامتحانات، لندرك مقدار الكارثة المغيبة تحت إحصاءات وإنجازات غير حقيقية في محو الأمية!!

وبسبب انخفاض جودة التعليم وضعف مهارات القراءة والكتابة تنخفض جداً نسبة المطالعة والقراءة عند غالبية الجمهور العربي والإسلامي، والذي يفاقم منها اليوم انتشار عالم الإنترنت والصور والأفلام، حيث زاحمت بشدة مطالعة الكتب والصحف والمجلات للاستسلام للكسل اللذيذ بمشاهدة المقاطع والدردشات والصور التعبيرية!

ولو تذكرنا أن هدف «الألكسو» لا يتوقف على محو الأمية الأبجدية والإلمام بمبادئ القراءة والكتابة فقط ولكن يتضمن أيضاً العمل على محو الأمية الرقمية والثقافية وصولا إلى مجتمع المعرفة، وهو ما يعني محو أمية استخدام الكمبيوتر وأمية المعرفة ومناهج التفكير وآليات التعلم، هذه الأمية التي عبّر عنها آلفين توفلر صاحب مصطلح «الموجة الثالثة» بقوله «الأميون في القرن الواحد والعشرين ليسوا من لا يقرؤون ولا يكتبون، لكن أميي القرن الجديد هم الذين ليست عندهم قابلية تعلم الشيء ثم مسح ما تعلموه ثم تعلمه مرة أخرى»، فهل خريجو مؤسساتنا التعليمية بهذا التعريف متعلمون أم أميّون؟!

للأسف إن أغلب خريجي الجامعات -برغم حملهم شهادات هندسة وطب وصيدلة- لكن عقولهم لم تبرمج على التفكير العلمي والمنظم والمنهجي، ولذلك يحتاجون لكثير من التأهيل والتدريب والتطوير قبل أن يتمكنوا من الانخراط في سوق العمل.

ومن جهة أخرى، فإن انخداع وانجرار كثير من شبابنا الجامعي خلف جماعات الغلو والتطرف والإرهاب برغم شهاداتهم العلمية أو الشرعية يكشف عن خلل كبير في محو أمية المعرفة والتفكير والتعلم في مناهج جامعاتنا.

وبرغم أن التعليم يكبّد الدول العربية ميزانيات ضخمة جداً تُصرف كرواتب ومبانٍ وأدوات وكتب ومصاريف كهرباء وماء وغير ذلك، إلا أن المخرجات كارثية وتكاد تتلخص في وصف «التعليم الأمي» فما هي الأسباب؟

في ظني أن السبب الرئيس في ذلك يعود لعدم كفاءة كثير من المعلمين اليوم، وذلك يعود لنظام القبول الجامعي، الذي هو انعكاس لنظام الأجور والرواتب في الوظائف، فغالب من يدخل كليات التعليم إنما يدخلها مجبراً على ذلك بسبب تدني معدله في الثانوية العامة! بينما أصحاب المعدلات العالية يذهبون للكليات العلمية، والتي تدر على خرّيجيها عوائد مالية أعلى من التعليم!!

ولذلك فإن أغلب المعلمين ليسوا متفوقين في دراستهم أصلاً، وقُبلوا في كليات التعليم بغير رغبة، ويعملون في مهنة ذات أجر متواضع، ولذلك فإن المستوى التعليمي يميل للتأخر جيلاً بعد جيل!

وفيما أظن أن تعديل نظام الرواتب والقبول الجامعي مع تطوير الأنظمة والمعايير في وزارات التعليم هي الكفيلة باستقطاب معلمين أكفاء، عندهم رغبة وقدرة على التعليم مما يعدل مسار جودة التعليم نحو التقدم، فهل نستيقظ مبكراً قبل حلول الكارثة؟.