في العصر الحديث باتت المجتمعات أكثر قربا من بعضها واطلاعاً على ثقافات بعضها بعضا، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت مقولة «إن العالم قرية واحدة» حقيقية وواقعية.

وهذا التواصل المجتمعي والانفجار المعلوماتي، كما لهما من المحاسن، لهما كذلك مساوئ.

وعلى العموم فإن زاوية النظر للأثر تختلف من شخص لآخر، لذا لا يمكن إطلاق الأحكام «محاسن/‏ مساوئ» على عمومها.

لهذا سأتناول واحدا من هذه الآثار دون أن أسِمه بأي صفة.

الزاوية التي أريد تناولها هي «المرأة وحقوقها» بين مجتمعنا وباقي المجتمعات، خاصة بعد الأصداء التي أحدثها تناول حقوق المرأة في وطني، عبر وسائل التواصل، وعبر تويتر بالذات، وعبر هاشتاق إسقاط الولاية بشكل خاص.

سواء اختلفنا أو اتفقنا حول بذرة هذا الهاشتاق، أو حول ما يحاك حوله من أقاويل، لكن لا يمكننا إنكار أنه ساهم في رفع وعي المجتمع بحقوق المرأة.

القول إننا مجتمع له خصوصية، للأسف إنها مقولة لن تجدي كثيرا أمام طوفان العولمة الذي أصبحنا نصارعه.

والقول بهذه «الخصوصية» لم يعد مقنعا لفئة الشباب التي تمثل أكثر من سبعين بالمائة من المجتمع السعودي.. باتوا يرونها مقولة «عائمة هلامية» غير محددة.

المملكة العربية السعودية تكاد تكون قارة مترامية الأطراف، وفيها من كافة الفئات المجتمعية، «حضرية/‏ بدوية، قبلية/‏غير قبلية، ساحلية/‏صحراوية» وكل فئة من هذه الفئات لها سمات مجتمعية تختلف عن الأخرى، فأي خصوصية من هذه الفئات ننتمي لها!!

وهناك انتماؤنا العربي، فهل خصوصيتنا تتبع الهوية «العربية»؟

وهناك الانتماء الإسلامي، فهل خصوصيتنا تتبع الهوية «الإسلامية»؟

الحقوق الإنسانية التي كفلها رب العزة للبشر، لا ينبغي أن نجعل من مصطلحات كـ«خصوصية ثقافية» أو «عادات وأعراف متوارثة» عائقا يمنعها! وإلا داسنا قطار العولمة والتاريخ بغير رحمة.

وما نراه من صراع محتدم بين الأجيال، ومن تأزم في العلاقات، ليس سببه مؤامرة بسبب شرق أو غرب، بقدر ما كان السبب في تمسكنا بـ«خصوصية» لا تناسب هذا العصر.. خصوصية تكاد تسحق آمال أبنائنا وطموحاتهم في الحياة دون سبب شرعي أو منطقي، إلا خشية التغيير وخوف الآخر.

وأنا هنا لا أنكر أبدا وجود تآمر على نهضة مجتمعنا، من بعض القوى الخارجية، لكن لا أحمّل هذه القوى كل الوزر!.

اللجوء الدائم لنظرية المؤامرة، لا يعني إلا أننا أمة ضعيفة لا تملك شيئا حيال أقدارها!.

يقول تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

أعود من حيث بدأت، وهاشتاق إسقاط الولاية وتداعياته، وأعود إلى حيث انطلقت في حديثي عن كون العالم قرية صغيرة، وأذكّر بحقيقة أن أكثر من سبعين بالمائة من المجتمع هم في سن الشباب.

هذا الهاشتاق «إسقاط الولاية» كان بمثابة تفجير لآلام ومعاناة وآمال جيل من الشابات، وأمهاتهن أيضا.. ولا يخلو أيضا من أقلام رجالية شاركت النساء الهم الإنساني.

هذا الهاشتاق ساهم في رفع وعي كثيرين وكثيرات عن حقوق المرأة خاصة تلك التي لا تتعارض مع الشرع الإسلامي.

ربما كانت هناك مطالبات متطرفة لا يقبلها عقل ولا دين فضلا عن ثقافة مجتمعية، لكن لا يمكن إغفال عاملين مهمين شكّلا الدافع الأبرز لتطرف سلوك أو مطالَبات بعض أفراد هذه الحملة:

أولهما: أنها قد تكون ردة فعل ثائرة منفلتة عن عقالها، ضد تشييء المرأة أو تهميشها أو التشكيك في سلوكياتها وعقلها، وهو النهج الذي دأب تيار الصحوة في وقت ما على ترسيخه.

وهذه الفئة: تحتاج احتواءً وتفهما وترسيخ شعور الثقة والاحترام لها، ثم الحوار بعقلانية وهدوء.

ثانيهما: أنها قد تكون متأثرة بالحركات النسوية في الغرب ودول أخرى.. وهؤلاء أغفلوا جدا ظروف نشأة تلك الحركات ومعاناة النساء في تلك الدول.. فتلبسوا بمشاعرهم وطلباتهم وشعاراتهم التي قد لا تناسب شرعنا «المتفق عليه» ولا تناسب طبيعة المجتمع، لذا تم رفضهم جملة وتفصيلا.

الانفتاح الحضاري والثقافي، وما شاهده شبابنا وشاباتنا من ثقافة الآخر التي تدعم الفردانية وبقوة، أحدث نوعا من اللا توازن لديهم، ولسان حالهم يقول ببساطة: «لسنا أقل من الآخرين، وليس هناك سبب مفهوم ومقبول لكبت حرياتنا، خاصة أننا لم نخرج خارج إطار الشرع ولم نؤذِ أحدا»، هذا ببساطة هو ما سيرد عليك به أي شاب/‏شابة، عندما تحاوره وتردد أمامه مصطلح كخصوصية ووو.

نحتاج لوقفة حقيقية إذا كنا نرغب في الحفاظ على أجيالنا الشابة، على مستقبلنا، لا يمكن أن نجبرهم على دفن آمالهم وتجاهل آلامهم والارتهان للماضي هكذا ببساطة!.

هذا الجيل الشاب سيقاوم، وفي غمرة مقاومته سيكون أنانيا جدا.. لأنه يشعر أنه يدافع عن حياته.. معركة وجوده.

التغييرات التي أحدثها أمير الشباب ولي العهد حفظه الله، بثت روح الأمل فيهم، وجعلتهم يشعرون أن هناك من يشعر بهم ويتفاعل معهم.. وهذا الأمر كان له التأثير القوي على زيادة متانة ولائهم وانتمائهم.

نحتاج لدفعات أكبر، خاصة فيما يخص المرأة، التي تشكل حسب الإحصائيات الأخيرة ما يقارب خمسين بالمائة من المجتمع.. نحتاج لتحديث القوانين الخاصة بها، والتي كان لقصور بعضها أو لِهنَات فيها، ثغرات يحاول أعداؤنا الولوج إلينا من خلالها..

من الخطأ، بل ومن الخطايا، أن نضيع حاضرنا وبناتنا وأبناءنا، بسبب ارتهاننا لأفكار لا تنتمي لهذا العصر.. أن نجعل من بناتنا وأبنائنا كبوش فداء لإثبات ولائنا للماضي.

آباؤنا وأجدادنا وضعوا قوانين تناسب ظروفهم وزمانهم ليستطيعوا عيش حياتهم بسلام.. والآن يجب علينا فعل الأمر ذاته بوضع قوانين مناسبة لوضعنا الحالي.

حدود الشرع معروفة، وهي أوسع بكثير مما نظن.. وتضييق الواسع سيضرنا ولن ينفعنا.. ورحم الله والداً أعان ابنه على بره.. وسلامتكم.