كان التعليم في البداية، والمثل العليا التي يجسدها تهدف إلى تحقيق مواطنة مثالية. وبعد ذلك تغير الهدف إلى ضمان توفير تدريب جيد للمواطنين. وفي الآونة الأخيرة تغير الهدف مرة أخرى إلى إيقاظ روح النقد.

أما اليوم فالهدف المنشود من التعليم هو الإبداع، والقدرة على التعلم والاستعداد مدى الحياة على مواجهة أمور جديدة، وتغيير التوقعات المُتَعلمة وفقا لذلك.

ولا يمكن التعلم دون إعادة التعلم، ودون المراجعة التي يجب إجراؤها عند إدراكنا لهشاشة ما ظننا أننا عرفناه في مجتمع المعرفة، فالتعليم هو القدرة على الإبداع في بيئة تتسم بشكل خاص بعدم اليقين، والقدرة بشكل مناسب على إدارة التنافر الإدراكي الذي يبعث على الإخفاق في فهم الواقع.

ولقد شكل موضوع التعلم جزءا من أهداف الأمم المتحدة التنموية على أرض الواقع التي انطلقت خلال عام 2015، وتزايد المنظور للتعلم في الحقبة الزمنية لما بعد عام 2015، وتوجيه العناية اللازمة للتركيز على نوعية التعليم وجودته.

وفي ظل القوى العالمية الخمس: قوة التكنولوجيا، قوة العولمة، قوة الديموجرافيا وطول العمر، قوة المجتمع (مع تغير العالم، تغير المجتمع والطريقة التي ينظر بها الناس إلى حياتهم ومجتمعاتهم أيضا)، وقوة موارد الطاقة- يتقدم العالم بلا هوادة نحو سيناريوهات مستقبلية غير مؤكدة، وتصبح الحاجة لتحسين التعلم واحدة من بين الأهداف الأكثر أهمية في عالمنا الحالي، بل تصبح الحاجة لكيفية تحسينه الهدف الأساسي والعالمي في السياسات التعليمية.

وأشار أور 2004 إلى أنه حان الوقت للبيريسترويكا التعليمية التي يعني بها إعادة التفكير بشكل عام في عملية هيكلة التعليم ومحتواه في كل المراحل، بداية من الالتحاق بالمدارس بما ينطويه ذلك على كثير من الأخطاء التي حاقت بالعالم كنتيجة للتعليم الذي يفصلنا عن الحياة، ويؤدي إلى الانقسام بدلا من التوحد، والمبالغة في الاهتمام بالنجاح والوظائف، وفصل المشاعر عن الفكر، والطرق العملية عن النظرية، وإطلاق عقول إلى العالم جاهلة بجهلها. ولقد شكل المؤتمر الدولي حول التعليم للجميع المنعقد في جومتين (تايلاند) في عام 1990، نقطة التحول في التعليم العالمي وتطويره.

ولقد برزت رؤية التعليم من أجل التنمية المستدامة كنموذج لمراجعة وتوجيه التعليم المطبق حاليا. ويتألف التعليم من أجل التنمية المستدامة من أشكال جديدة من معرفة وتعلم كيف يكون إنسانا بطريقة مختلفة. يهدف هذا التعليم إلى المساهمة في استدامة النزاهة الشخصية، أو على حد تعبير ستيرلنج (2001)، في نزاهة الروح والقلب والرأس واليدين. وكما ذكر ديوي والمؤيد لإعادة البناء التعليمي، فإنه في الغالب لا يكفي القيام بالأشياء حسب العرف أو العادة، أي إعادة إنتاج النظام الاجتماعي القائم، بل يجب البحث عن إجابات جديدة. إذا أردنا تخيل أساليب جديدة للحياة والعمل، فعلينا أن نكون قادرين على تقييم وإحداث التغيير الاجتماعي، لأن تحقيق التنمية المستدامة بنجاح يتطلب اتباع المبادئ الآتية: إدراك التحدي، واتخاذ الإجراءات اللازمة طواعية، مع تحمل المسؤولية الجماعية وتشكيل شراكة بناءة، والإيمان بكرامة جميع البشر دون استثناء.

وفي مؤتمر القمة العالمي عن التنمية المستدامة لعام 2002 في جوهانسبرج، تمت صياغة هذه المبادئ من أجل التنمية البشرية الدائمة، والتي تنطوي على دروس تتطابق إلى حد كبير مع دعائم التعليم الأربع المحددة في تقرير ديلور: التعلم لكي نعرف، والتعلم لكي نفعل، والتعلم لكي نعيش معا، والتعلم لكي نكون. وفي سياق التعليم من أجل التنمية المستدامة اقترحت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة إدراج ركيزة خامسة هي: التعلم من أجل تغيير الذات والمجتمع. (اليونيسكو، 2008).

ولقد أظهر التعليم العالي في الماضي دوره الحيوي في إحداث التغيير والتقدم في المجتمع، ويعتبر عاملا أساسيا اليوم في تعليم الأجيال الجديدة بناء المستقبل، مما يضطره إلى إعادة تطويره الداخلي في ضوء التحديات التي تواجهه.

ووفقا للإعلان العالمي للتعليم العالي في القرن الحادي والعشرين (1998) تواجه الجامعات وغيرها من مؤسسات التعليم العالي عددا من التحديات المهمة، التي ينبغي في ضوئها إعادة هيكلة التعليم فيها وإصلاحه وتطويره بما يحقق التنمية المستدامة، وهي:

التغيرات في الجامعات باعتبارها مؤسسات وعلى مستوى التنظيم الداخلي: وينبغي أن تهدف هذه التغييرات إلى تحسين إدارة الموارد البشرية والاقتصادية وغير ذلك، ويجب إعادة هيكلتها لتحسين الديمقراطية الداخلية. وعلى الجامعات مواصلة مهمتها في تعليم وتدريب وتنفيذ البحوث العلمية من خلال اعتماد نهج يتميز بالأخلاقيات والاستقلالية والمسؤولية والتنبؤ المستقبلي.

التغييرات في خلق المعرفة: وينبغي اتباع المناهج المتعددة التخصصات (تخصص رئيس وتخصص فرعي) والمشتركة بين التخصصات.

التغيرات في النموذج التعليمي: وينبغي دمج مناهج التعليم والتعلم الجديدة التي تتيح تطوير التفكير النقدي والإبداعي. وينبغي أن ينمي التعليم الجامعي المعرفة والمهارات التي تلبي متطلبات العالم الاقتصادي الحقيقي لسوق العمل، وتحديد الكفايات المشتركة لجميع خريجي التعليم العالي، وينبغي تعريف التوقعات ذات الصلة. كما ينبغي أن تكون عملية التعليم والتعلم أكثر نشاطا واتصالا بالحياة الواقعية، ويتم تصميمهما مع الطلاب مع وضع الخصائص المتفردة لكل واحد منهم في الحسبان.

التغييرات التي تهدف إلى الاستفادة من إمكانية تقنية المعلومات والاتصالات في خلق المعرفة ونشرها: ويتمثل الهدف من هذه التغييرات في خلق ما يسميه برينسكي بالحكمة الرقمية.

التغييرات للمسؤولية الاجتماعية ونقل المعرفة: فيجب أن تكون أعمال مؤسسات التعليم العالي ذات صلة وفي خدمة المجتمع، ويجب أن تتنبأ البحوث العلمية فيها للاحتياجات الاجتماعية، ويجب مشاركة نتائج هذه البحوث على نحو فعال مع المجتمع من خلال آليات مناسبة لنقل المعرفة.