هل نحتاج ممارسة مفهوم إدارة السمعة في وقتنا الحاضر في خضم الانفجار المعلوماتي والتقني والإعلامي وحمم الإشاعات والتنافس بين الشركات والمؤسسات الدولية، في اعتقادي إن مثل هذا الموضوع وبالرجوع إلى أدبيات هذا المفهوم وممارسته، سواء على صعيد الشركات أو المؤسسات أو الأشخاص، نجد أنه أحد أهم مهام إدارة العلاقات العامة أو الاتصال المؤسسي بمفهومه الحديث، سواء كان داخليا أو خارجيا للمنظمة أو الشركة.

ولعل أبا العلاقات العامة (أيفي لي)، كما يحب أن يسميه كثير ممن كتبوا عنه، وذلك لأسلوبه المتفرد في صناعة العلاقات العامة وكسب رأي الجماهير، والذي رسم ملامح هذا المفهوم، فقد كتب عنه البروفيسور الأميركي هيبرت، أن الشعب الألماني لو كان قد استمع إلى «أيفي لي» بدلا من انقياده وراء هتلر إبان الحرب لأمكن إنقاذ الملايين من الشعوب من الموت في ساحة القتال، ورغم ذلك فقد مات أيفي لي قبل أن يغير الصورة الذهنية التي بنيت له من الجمهور حول اتهامه بالدعاية النازية، على الرغم من أنه صنع صورة مشرقة، وصحح وأدار سمعة رجل الأعمال الأميركي المعروف روكفلر، الذي كان سخيا للجمعيات الخيرية والكنائس والفقراء، ولكن الصورة الذهنية التي كانت ترسم عنه مغايرة للحقيقة، ولا تدل على ذلك، بل كان يبدو بخيلا، ومع ذلك كان شخصية صامتة أمام النقد الذي يواجهه.

وقد عمل «أيفي لي» مع روكفلر فأظهر موهبته في العلاقات العامة وإدارة السمعة، ونجح في تغيير الصورة الذهنية السائدة لدى الجماهير عن روكفلر، وتغيير اتجاهات الجماهير نحوه بشكل إيجابي، وبالتالي فإن إدارة السمعة لا تقتصر على الشخصيات وبناء أو تغير أو تحسين أو تطوير سمعتهم، بل نجدها منتشرة بشكل كبير في الشركات والمؤسسات الكبيرة، بل إن بعض هذه الشركات قد تتعاقد مع شركات مختصة أو مستشارين في صناعة وإدارة السمعة، فهذا المجال يعدّ من أهم المجالات في صناعة أي شركة أو منتج أو شخصية تتعامل مع الجماهير، فعلى سبيل المثال نجد أن قيمة سمعة الشركات البريطانية الكبرى المسجلة في سوق الأسهم يمكن أن تصل إلى 1.7 تريليون، أو 28 في المئة من قيمة السوق الإجمالية للشركات، وهذا يدل على أهمية إدارة السمعة والتكلفة العالية لها في موازنة أي منظمة أو شركة.

في كتاب لتوني لانهام (TONY LANGHAM) حول إدارة السمعة صدر حديثا تتطرق كاتبة لطرح تساؤل بعنوان، (what MAKES AGREAT REPUTAION?) ما الذي يجعل السمعة عظيمة وقوية للشركات؟ فوجد أن هناك ستة مفاتيح لذلك، أولها: الحفاظ على ثقة العميل، فالناس تثق بساعات رولاكس وبسيارات مرسيدس على سبيل المثال، فبناء الثقة قد يكون سريعا، لكن المحافظة عليها أمر يحتاج للتخطيط والمثابرة.

المفتاح الثاني: الابتكار المستمر، فالشركات التي لا تتقدم وتتطور تتقادم وتتراجع وتخسر اسمها، فشركة كوداك الأميركية كانت لما يقارب 130 عاما تسيطر على إنتاج الأفلام الفوتوجرافية وأدوات التصوير، ثم أشهرت إفلاسها عام 2012 لأنها لم تتنبأ بثورة التصوير الرقمي وكاميرات الهواتف الذكية، فلم تمتلك القدرة على الابتكار الكافي لمنافسة شركات التصوير الرقمي مثل الشركات الرقمية الحديثة.

المفتاح الثالث: صناعة السعادة للموظفين والعاملين معك ومن في محيطك أو تحت إدارتك، فبذلك تستطيع أن تخلق الولاء الذي يدعو للإنجاز والتضحية والمحافظ على السمعة، لأن الموظفين يعتبرون أنفسهم جزءا من هذه المنظومة، وهذا ما وجدناه في الآونة الأخيرة من أن بعض الشركات والمؤسسات تخصص مسميات وظيفية لصانعي السعادة.

المفتاح الرابع: المسؤولية أو الشراكة المجتمعية، سواء كانت للأفراد أو الشركات، فقد أصبحت الشركات التي لديها مسؤولية مجتمعية تحظى بسمعة طيبة لدى جميع العملاء والمجتمع، من خلال تعاملها مع المؤسسات غير الربحية بشكل مباشر، ودعمها البرامج المستدامة أو تقديمها خدمات داعمة للأفراد.

المفتاح الخامس: وجود قائد فريق عمل قوي، فالعلامة التجارية القوية تحتاج دائما لقائد ملهم، لكن في نفس الوقت لا يكون هذا القائد أعظم من العلامة التجارية، فشركة أبل على سبيل المثال لها قائد ملهم هو ستيف جوبز، لكن سمعة شركة أبل تظل في الصدارة والاستمرارية إذا ما قورنت به، ولعل الشركات التي يتعرض قادتها لفضائح تؤثر على سمعة الشركة تسارع لإدارة أزمتها بشكل سريع واحترافي، ولو استدعى ذلك التضحية بأي شخصية من أجل إبقاء سمعة الشركة أمام عملائها متميزة، فعلى سبيل المثال شركة نيسان ورئيس مجلس إدارتها كارلوس غصن، الذي انتشل شركة «نيسان» من الإفلاس وبعد قضيته الأخيرة التي احتجز بسببها في اليابان، سارعت الشركة بعد يومين من توقيفه إلى إقالته من منصبه في محاولة منها للمحافظة على سمعتها كشركة.

سادسا: الاستمرار في التواصل مع الجمهور عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها وأنواعها، ومعرفة الانتقادات والمقترحات التي توجه إلى الشركة ومحاولة حلها مع فريق العمل، وأخذ الاقتراحات والمواكبة والاستعداد لبناء إستراتيجية تخدم العملاء وتحقق أهداف الشركة أو المؤسسة لصناعة وإدارة سمعة متميزة.