عبدالله الحبابي



تقول العرب «عش رجباً ترى عجباً»، استرجعت مدلول هذا المثل وأنا أتابع إردوغان الذي يحاول التقاط لقمته السياسية والاقتصادية من أفواه المكلومين والجياع في دول ما سمي بـ«الربيع العربي». نراه يشجع تارة ويلعن تارة أخرى حسب الحاجة والمصلحة.

قبل أيام ونيف رفض «رجب» ما زعم أنه تدخل ترمب والولايات المتحدة الأميركية في شوؤن القضاء التركي فيما يخص قضية القس الأميركي المحتجز لديه، قبل أن يطلق سراحه ويضعه تحت قيد الإقامة تحت المراقبة بحيث - أي إردوغان - استطاع أن يلعب «على الحبلين» كما يقال. ركب إردوغان موجة «الربيع العربي» بمشاركة قطر وإيران، فاتحاً ذراعيه ومرحباً بـ«الوافدين الجدد» من دول «الفوضى» التي عمتها بجهل جاهل أو بعلم خبيث «موجة» الاحتجاجات التي سقطت على إثرها أنظمة حاكمة، والتي أصبحت لاحقاً أمنية يتحسر على فقدانها كل «منتفض».

الملاحظ في الخطاب التركي هو تلك النبرة العدائية وإدخال جماعة الإخوان رجالاً وركباناً تحت ذيل عباءته السياسية والإعلامية، مستغلاً ذلك الوضع في الترويج لنفسه وحزبه «بلسان عربي مبين». لقد أضحى أفراد «جماعة الإخوان» ممن عرفنا أو ممن لم نعرف منهم بمقام «العملاء» وبوابة «رجب» الذهبية لأدلجة الأدمغة العربية. خطاب اتسم بالنبرة التصعيدية/‏ الراديكالية لكل ما هو غير تركي، خصوصاً تجاه دولتين شقيقتين هما الإمارات العربية المتحدة ومصر. هذا التهجم المتواصل لعثمانيي الترك، بل واعتبروهم من أدنى القوميات أثناء فترة الاحتلال العثماني للبلاد العربية، بالرغم من أن «العرب» هي الأمة التي ظهر فيها خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) وليس «الأتراك». خطاب «ديماغوجي» استعلائي على كل ما هو غير «عثماني» يقابله في الجانب الآخر «انبطاح» و«تسول» منقطع النظير من أجل الانضمام ولو كـ«صبي» لدى دول «الاتحاد الأوروبي»، غير أنه – إردوغان- ما زال مدفوعاً بالأبواب حتى الآن. وفي ذات السياق لن ننسى زيارته التاريخية لموسكو بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية والتي يبدو – من وجهة نظري الشخصية على أقل تقدير- أنها كما يقال بالعامية السعودية الجنوبية لا تتجاوز كونها «حيد الفارع» أي «رمية من غير رام»، ولا علاقة لها بالسيادة الوطنية التي أصبحت شماعة لمؤيدي الإخوان في تركيا وقطر وسورية ودويلة «جنوب لبنان» وغيرهم.

لا نجد هذا الخطاب العدائي ضد العرب عند الحديث عن إيران أو روسيا، وهما الدولتان اللتان يذكر التاريخ ضلوعهما في عملية إسقاط حكم العثمانيين، بل نجد خطابا يقبل التنازل والتفاوض وغض النظر، يرافقه سلوك براغماتي يتماشى به مع السلوك الصفوي الإيراني الخبيث، والذي يعمل من أجل الاتجار بموارد الوطن وأبنائه للإسهام في زيادة حجم المحافظ الاستثمارية وأرصدة الحسابات البنكية المعلن عنها، والهاربة في دول الملاذات الضريبية حول العالم، وبما يخدم مصالح أعضاء حزب «العدالة والتنمية» وحلفائه وبما يخدم مصالح بلديته -إسطنبول- حيث «فقس بيضته السياسية».

ما بين مطرقة «الخطاب الراديكالي» وسنديان «السلوك البراغماتي» وقع الاقتصاد التركي ضحية سياسة «الشخص الأوحد» الذي يحاول أن يبرز نفسه على أنه «المخلص» كما في كتب التراث المسيحي. ولعل الخطاب/‏ السلوك التركي الحالي هو «إرث عثماني» مكرور، إذ إنه وخلال أيام حكم العثمانيين لـمصر«بالنار والحديد»، فتحوا الباب على مصراعيه للحركات الدينية التي من شأنها تعزيز حكمهم وتثبيت «أطناب» سلطتهم كتمكين الطوائف «الصوفية» ومشايخها بما يخدم المصالح العثمانية وليس المصرية آنذاك، وكما هو الحال مع «حركة الإخوان» الإرهابية في الوقت الحاضر.

من المؤكد أن «ناقوس الخطر» قد دق ثم دق ثم دق مراراً، إلا أن السلطة التركية المتمثلة في شخص «إردوغان» صمّت دونه الأذان حتى وقعت الواقعة التي أفضت إلى خسارة الليرة التركية أكثر من أربعين من المائة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، يرافقها هروب لرؤوس الأموال وعمليات تحويل ضخمة من الليرة للدولار واليورو. من هنا خرج «رجب» يوماً تلو الآخر «متسولاً» شعبه أن يخسروا أموالهم وثرواتهم وحصاد سنين تعبهم في الداخل والمهجر من أجل ماذا؟ بالتأكيد ليس من أجلهم وإنما من أجل «شخصه» و«حزبه» و«خطابه» و«سلوكه»، ملقياً باللوم كعادته على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ولعل الأمر الوحيد الذي يحاول «رجب إردوغان» أن يدافع به عن نفسه هي «نظرية المؤامرة» التي لم يعد يخلو منها أي خطاب له أو لمحلليه ومؤيديه عبر القنوات والصحف.

وكما بدأت المقال بالقول العربي الشهير «عش رجباً ترى عجباً» نختم المقال بقول عربي أخرى وهو «يداك أوكتا وفوك نفخ»، على الرغم من أن «التركي» لا يحب ولن يحب يوماً من الأيام الحكمة العربية كعادته في سلوكه مع كل ما هو عربي «لا يغرد في سربه».