على الرغم من أننا لا نزال نواجه تحدياً واضحاً في جميع مواردنا البشرية لكوادرنا الصحية الوطنية، من الأطباء والصيادلة والممرضين ومختلف العاملين من الفنيين والمتخصصين من المخرجات الصحية؛ فإن سياسات وإجراءات القطاعات المعنية بتنمية الموارد البشرية الوطنية في القطاع الصحي، لازالت تناقض توجهات رؤيتنا الإستراتيجية، ولا تخدم متطلبات برنامج التحول الوطني المستهدف في الارتقاء بتنمية الموارد البشرية الوطنية في كافة القطاعات، سواء أكان ذلك في إطار سياسات الجامعات بالتوجه نحو تخفيض نسبة القبول في القطاع الصحي والطبي على وجه الخصوص، وذلك بناءً على ما تضمنته توصيات المؤتمر الأخير للموارد البشرية الصحية والذي سبق مناقشته تفصيلاً، أو في إطار ما نتطلع إليه من تطوير وتحفيز التنظيم الوظيفي للأطباء بدرجاتهم المهنية المختلفة وأجورهم وبدلاتهم؛ بما يدفعهم لمزيد من العطاء والتميز، وبما يقوي من عزيمتهم في التشبث بالوطن وخدمته كما يستحق وكما هم يستحقون.

 تداولت وسائل التواصل الاجتماعي منذ أيام معدودة، أنباء عن التوجه نحو إيقاف بدلات الأطباء السعوديين، علاوة على اقتصار تحصيل بدل السكن لأحد الزوجين إذا كان كلاهما طبيبين سعوديين!، من العاملين تحت مظلة الخدمة المدنية، وحيث إن نسبة الأطباء السعوديين كما يشير تقرير وزارة الصحة 2017 لا تتعدى 33% في الطب البشري، من جملة الأطباء البشريين العاملين تحت مظلة نظام الخدمة المدنية والتشغيل الذاتي بوزارة الصحة، وترتفع النسبة إلى 38% إذا شملناهم مع أطباء الأسنان من المواطنين العاملين تحت مظلة ذات النظام، فإننا نتعجب من الهدف المرجو من تلك السياسات والإجراءات السلبية تجاه المهنة الإنسانية الراقية، والتي يتم استقطاب مخرجاتها من دول العالم المتقدم كافة، للعمل لديها ولمنحها الجنسية، كموارد بشرية تحرص الدول على رفع طاقتها الوطنية منها، لكونها من المهن الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق درجات متقدمة من التنمية الصحية الشاملة، والتي تعد من أحد المكونات الرئيسة لمعايير قياس التنمية البشرية الدولية.

 وحيث إن تقرير وزارة الصحة الأخير (2017) لم يتضمن نسبة الأطباء والعاملين الصحيين من غير المواطنين، والمواطنين في قطاعات الدولة الأخرى من القطاعات المساندة؛ كمستشفيات الحرس الوطني والعسكري، أو مستشفيات القطاع الخاص، فإننا نجد أنه من المهم إعادة التذكير بنسبة الأطباء المواطنين في تلك القطاعات، وذلك بناء على التقرير السابق 2016، والذي كان شاملاً ووافياً في إحصاءاته وبياناته المطلوب توفرها بشفافية، إذ يشير تقرير 2016 بأن جملة الأطباء السعوديين من العاملين في جميع قطاعات الدولة لا تتعدى 26.7% من جملة الأطباء في الوطن، في حين إن العاملين منهم في وزارة الصحة 33,4% في عام 2016، بما يعني أنه ليس هناك نمو في توظيف الأطباء السعوديين في وزارة الصحة، لأن النسبة تتساوى تماماً مع نسبتهم في عام 2017، أما نسبة الأطباء المواطنين العاملين في القطاعات الحكومية الأخرى-الحرس والعسكري- فترتفع إلى نسبة 50.5% من جملة الأطباء فيها، بينما تنخفض النسبة في القطاع الخاص إلى 3.3% فقط من جملة الأطباء العاملين في ذلك القطاع في العام 2016 !!!.

 وعلى أثر ذلك الاستعراض البسيط لحجم التوظيف لفئة واحدة هامة من كوادرنا الصحية الوطنية وهم الأطباء، أليس من حقنا أن نتساءل أين مخرجات الابتعاث من الأطباء؟! وأين مخرجاتنا الوطنية من جامعاتنا الوطنية بقطاعاتها المختلفة؟ وما هي السياسات والإجراءات التي تم اتخاذها لتصحيح واقع الموارد البشرية الصحية الوطنية والتوظيف فيه؟ وما هي الإجراءات التي تم تنفيذها لمعالجة بعض الإخفاقات أو التحديات التي يتم التلويح بها من الوزارة وهيئة التخصصات الصحية حول مخرجاتنا الوطنية ومستوى كفاءتهم؟ وما هي الإجراءات المستحدثة العاجلة التي نفذتها الوزارة بشأن الكثير من الأطباء من غير المواطنين الذين كشفت الأحداث عدم أهليتهم وعدم مصداقية مؤهلاتهم؟ وما هي المعايير الجديدة التي يُستند إليها في إجراءات التعاقد مع الأطباء غير المواطنين، على أثر ما نتابعه من أخطاء طبية وتعديات على شرف المهنة الصحية؟ وهل يخضع أولئك لذات المستوى والنوع من الاختبارات الدقيقة (وذلك مطلوب) التي يخضع لها المواطنون ليسمح لهم بالتخصص ومزاولة المهنة لدينا؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لاحتواء وتصحيح الوضع، ذلك الكم من بطالة الأطباء المواطنين الذين ينتظرون قبولهم وتوظيفهم؟!

 ومما يجب التنويه إليه أننا لا ننتقد إطلاقاً وجود الكوادر الصحية غير المواطنة بيننا، أو نقلل من شأنها؛ فتلك لها فضل كبير فيما تتحمله من مسؤوليات، سواء ما يتعلق منها بالتعليم الصحي أو ما يتصل بمعالجة الكثير من المرضى في مستشفياتنا من العام والخاص، كما أنه ليس الهدف المقصود هو السعي نحو توطين الكوادر الصحية كافة، لأن وجود غير المواطنين من المتميزين والمشهود لهم بالكفاءة هو إثراء لمواردنا الصحية، ووسيلة للتمكين العلمي والمهني لأبنائنا، ولكن الهدف هو تقصي النخبة في الاختيار والتعاقد بما يناسب معاييرنا العالمية وتطلعاتنا التنموية، وألا يكون وجودهم عائقاً دون توظيف مخرجاتنا الصحية، بل وأن يساهم وجودهم في مزيد من التأهيل والتمكين لأبنائنا، بما ينعكس خيره ومردوده على الوطن كافة بموارده وإمكانياته المختلفة.

 لا يمكن أن نرتقي بمستوى كفاءة مخرجاتنا الوطنية المختلفة، أو بحجم وجودهم ومشاركتهم في سوق العمل الوطني الذي ينتظرهم؛ إلا من خلال سياسات فاعلة وإجراءات تنفيذية قوية وآليات مدروسة، تتواءم مع مستهدفات مضمون خططنا التنموية في كافة القطاعات المعنية بالتنمية والتخطيط الإستراتيجي لكافة مواردنا الوطنية، وبما يمكننا من معالجة تحدياتنا والقفز فوق العقبات التي تعرقل مسيرتنا التنموية؛ لنحقق مراحل من الإنجازات الواعدة والآمال المرتقبة للوطن والمواطنين.