من العادات المتوارثة في بعض قرى مصر الشعبية قبل قدوم الحاج من أداء فريضة الحج أن يعمد أهله وأقاربه بتجهيز منزله التراثي، استعداداً لاستقباله فيعيدون دهاناته من الداخل والخارج، ويقومون بتنظيفه وتجهيزه، وتزيين حوائطه برسوم جدارية احتفاء بأدائه فريضة الحج وعودته سالماً غانماً، يستحضرون فيها مناسك الحج وشيئاً من الأدعية المرتبطة بهذه الشعيرة لمكانتها الكبيرة في نفوسهم، ويطلقون لقب «الحاج» على المحتفى به بعد أدائه فريضة الحج فتكسبه مكانة اجتماعية، وتقديرا عند أهالي القرية.



أدوات بسيطة

 الرسوم الجدارية تهدف إلى تسجيل الذكريات المحببة إلى نفوسهم، وتحفز الآخرين على زيارة بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وتعبر عن الترحيب بالحاج بعد أداء الركن الخامس بالسلامة بعد رحلة شاقة وسفر طويل، وقد يشترك في تنفيذ هذه الرسوم الجدارية خطاطون ورسامون يحترفون المهنة، والبعض منهم يتوارثها أباً عن جد، وقد يشاركهم الأسر والأصدقاء ممن يمتلكون موهبة الرسم أو الخط، مستخدمين خامات وأدوات بسيطة من صنع أيديهم في كثير من الأحيان.



توثيق الحياة المصرية

من الرسوم الشائعة التي يستحضرونها في مثل هذه الفنون الشعبية المرتبطة بشعيرة الحج (الكعبة المشرفة، ومقام إبراهيم، وغار حراء، ووسائل المواصلات التي تقل الحاج إلى مكة، سواء كانت حديثة أم قديمة كالطائرات، والسيارات، والقطارات، والسفن، والجمال، وصورة الحاج، وغيرها من الرسوم والرموز ذات العلاقة. أما الكتابات المصاحبة فقد تكون آيات قرآنية لها ارتباط بالحج؛ مثل: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً) أو أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ مثل: (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة)..أو أذكار الحج؛ مثل: (لبيك اللهم لبيك..)، أو عبارات دارجة تقال للحاج بعد عوته؛ مثل: (حج مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور)، وتختتم الرسوم بكتابة اسم الحاج الثلاثي وزمن حجته بالتاريخين الهجري والميلادي، وتوقيع الفنان الشعبي.

هذه الرسوم هي امتداد للفنون الفرعونية التي كانت توثق الحياة المصرية قبل أكثر من أربعة آلاف سنة، ويؤكد ذلك كثير من الأعمال الفنية الجدارية المنحوتة على حيطان المعابد والمسلات في الأقصر وأسوان وغيرها من المواقع الأثرية المصرية.