أثارت النائبة الديمقراطية «إلهان عمر» خلال الأسابيع الماضية موجة من الجدال السياسي في أميركا بعد تصريحاتها التي انتقدت فيها إسرائيل، وربطت بين الدعم الذي تتلقاه الدولة اليهودية من قبل القوى السياسية الأميركية وبين المال السياسي الذي ينفقه أصحاب المصالح مع إسرائيل في شراء أصوات المشرعين، إلى جانب اتهام تلك القوى الداعمة بأن ولاءها لإسرائيل وليس للوطن الأميركي.

النائبة عن ولاية مينيسوتا والتي تم انتخابها لأول مرة في انتخابات الكونجرس الأخيرة في نوفمبر الماضي، هاجرت مع أسرتها إلى أميركا عام 1995 بدعم من مجموعة كنسية لوثرية وتمكنت منذ قدومها أن ترسم لنفسها خطاً في المعترك السياسي رغم كونها مسلمة ومحجبة، غير مكترثة بالتحديات التي واجهتها منذ قدومها وحتى وصولها لمنصب سياسي رفيع، إلا أنها ربما لم تكن على علم أو أنها حاولت كسر التابوهات السياسية عندما انتهجت نمطا صداميا غير معتاد على اللغة السياسية، وخصوصا من مهاجرة امرأة تدين بدين يشوبه كثير من التشكك في مجتمع ما زال يعيش تحت آلام أحداث سبتمبر.

الكونجرس على إثر تصريحاتها قام بطرح مشروع قانون يدين كل أشكال الكراهية وبالأخص معاداة السامية، وهي التهمة التي التصقت بإلهان إثر تصريحاتها حول إسرائيل وتم تمريره بأغلبية ساحقة، إلا أنها وبعد ذلك قامت بما اعتبره كثيرون أنه تصريح تمكن من شق صف الحزب الديمقراطي أكثر من تصريحاتها حول إسرائيل، حين انتقدت الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما بالقول إن التغيير الذي نادى به لم يكن سوى سراب، فسجن الأطفال على الحدود مع المكسيك وقصف بلاد حول العالم بالدرون تم وهو في أعلى مناصب الدولة وتحت ناظريه، مقارنة في ذلك على وجه الشبه بينه وبين الرئيس الجمهوري ترمب والذي لا يفرق أوباما عنه سوى أنه صاحب ابتسامه ألطف.

النائب الديمقراطي من ذات الولاية التي انتخبت منها إلهان «دين فيليبس» علق مستهجنا وصم الحزب بكامله بسبب تصريحات النائبة إلهان وزميلتها «اليكساندريا اوكازيو كورتيز»، وهي أصغر نائبة تنتخب في تاريخ أميركا، واللتين لا تشكلان وزنا حزبيا إلا بمقدار 1% من حجم التجمع على حد تعبيره.

 الحزب الديمقراطي اليوم أصبح مشتتا كما يرى مراقبون، وقيادته غير قادرة على ضبط خطابه الحزبي بوجود قنوات كشبكات التواصل الاجتماعي، لتعبير الأعضاء عن مواقفهم بعيدا عن تحكم الحزب، إلى جانب انتخاب أعضاء شباب عاشوا وتربوا في عصر التواصل الاجتماعي والانعتاق عن هيمنة القوى التقليدية، إلى جانب ميلهم أكثر فأكثر نحو اليسار الذي يرون فيه عداله اجتماعية، في مجتمع تغلغلت فيه مفسدات الرأسمالية المنفلتة وسطوة المال والتنفذ، خصوصا وأنهم من جيل ما بعد الاتحاد السوفييتي الذي لا يرى أن كلمة اشتراكية تعد عيبا أو وصفا مشينا، كما كان الحال عليه إبان محاكمات الماكارثية وما بعدها وحتى سقوط الدولة الشيوعية في موسكو.

رد الفعل الذي لاقته إلهان مثال للإسلاموفوبيا كما يرى البعض، فتصريحاتها لا تختلف عما نقل عن وزير الدفاع الأميركي السابق «جيمس ماتيس» عن فقدان العالم للثقة في أميركا كوسيط سلام في ظل دعم أميركي لإسرائيل، رغم استمرارها في بناء المستوطنات وخلق أرضية لمعسكرات عرقية بين أراضي التجمعات العربية، إلا أن ماتيس وهو بطل حرب يمكن وضع كلامه في سياق سياسي ينظر له على أنه نقد لسياسات إسرائيل وليس معاداة للسامية، بينما المهاجرة المسلمة المحجبة القادمة من أرض بعيدة والتي تتحدث الإنجليزية بشيء من اللكنة الفاضحة لأصولها الصومالية، فإن ذلك لا يمكن القبول به أو السكوت عنه، فاجتماع موقف مسلم بنقد إسرائيل لا يعني إلا معاداة للسامية.

المفارقة أن عددا من الجماعات اليهودية التقدمية الأميركية مثل «صوت اليهود من أجل السلام» و«IfNotNow» و«يهود من أجل العدالة العرقية والاقتصادية» أعلنوا وقوفهم مع النائبة إلهان عمر، إلى جانب وقوف عدد من أهم الأسماء الديمقراطية معها من بينهم ثلاثة من المتنافسين الديمقراطيين على ترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية هم اليهودي اليساري «بيرني سانديرز» و«كامالا هاريس» و«اليزابيث وارين» والذين حذروا جميعا من الخلط بين النقد المشروع لإسرائيل وبين معاداة السامية.