تجمعني مع الأستاذ زيد بن عبدالله الرفاعي علاقة صداقة وزمالة.. وهو يعمل مديراً لإدارة المراجعة الداخلية في جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز. وفي كل مرة أجتمع فيها معه، يجلسني على شاطئ جميل وواسع (وعاصف) من شواطئ الاتجاهات والممارسات الحديثة لواحدة من أهم وظائف الإدارة الحديثة (وظيفة الرقابة).

بواسطته، اطلعت على أعمال المراجعة الداخلية وطريقتها، واطلعت على أفضل النماذج المقدمة فيها، أيضاً تعلمت من الحديث معه كيفية ممارسة المراجعة الداخلية كأسلوب عمل وقائي ودفاعي داخلي في المنظمة، وكيف يمكن لها أن تكون العقل المدبر لتصميم البرامج الدفاعية عن القيادات العليا وعن أعمالها وممارساتها الإدارية.

كانت بداية أفكار المراجعة الداخلية في أربعينيات القرن الماضي، بعدما تفشت حالات الإفلاس في شركات أميركية متعددة. حينها تم إنشاء معهد المراجعين الداخليين في أميركا، وذلك لتنظيم هذه المهنة وتطويرها وترتيبها بما يضمن استمرارية ودوام أعمال الشركات والمنظمات التي قامت من أجلها.

هذا المعهد توسع بعدد من الفروع، كما توسع في بناء وتصميم مقومات نجاح هذه المهنة. وذلك بخلق معاييرها المهنية، وقواعدها السلوكية الملزمة، إضافة إلى التعلم المستمر من خلال التغذية الراجعة للبرامج الرقابية الداخلية، وأيضاً في وضع الضوابط المقننة لممارسة هذه الأعمال.

وعليه فإن المراجعة الداخلية تهدف إلى تقديم خدمات التأكيد والتطمين على شكل استشارات موضوعية ومستقلة، من شأنها مساعدة قيادة الجهة ووحداتها المتنوعة للقيام بأعمالها ومسؤولياتها بدرجة عالية من الكفاءة والفاعلية. وذلك برصد مكامن الخلل، ومن ثم تحسينها في منهجية علمية منضبطة، مراعيةً بذلك عمليات إدارة المخاطر وعمليات الرقابة بنوعيها القبلي والبعدي.

وعلى ذلك فإنها تعمل في نطاق تقييم وفحص مدى فعالية أنظمة الرقابة الداخلية في الجهة، ومدى جودة الأداء في وحداتها المختلفة. ولذلك جاء ارتباطها مباشرةً بالمسؤول الأول في الجهة. لتوفير الاستقلالية الكافية لاستمرار أعمالها كما هو مطلوب ومأمول منها.

وفي الأيام الأخيرة صدرت مسودة عن التنظيم الجديد لأعمال المراجعة الداخلية في الجهات الحكومية. والمطلع على هذه المسودة سوف يتلمس مؤشرات إيجابية ودعما كبيرا تقدمه الحكومة لهذا القطاع وللعاملين فيه، مما سوف يعطي مزيدا من الصلاحيات والأعمال الرقابية على الجهات والقطاعات الحكومية، والذي سيضمن بمشيئة الله ديمومتها واستمرار أعمالها بكفاءة وفعالية.

وبما أن الأستاذ زيد يعمل في نطاق التعليم العالي، فإنه دائماً ما يتحدث عن أهمية ربط إدارات المراجعة الداخلية في الجامعات بالإدارة العامة للمراجعة الداخلية بديوان الوزارة مباشرة، وذلك لضمان استقلاليتها المالية والإدارية وأيضاً لتدوير البرامج المعمول بها من جامعة إلى أخرى. وأيضاً لضمان عدم عرقلة أعمالها المستقبلية في حال وجود قيادات لا تؤمن بأهمية هذه الإدارة في بعض الجامعات، كما أن هذه الاستقلالية سوف تساهم بالطبع في زيادة كفاءتها وتميزها، وسوف تعمل على توحيد إجراءات العمل وبناء نماذج المراجعة الداخلية لكل قطاعات وزارة التعليم وفق أحدث المعايير المحلية والإقليمية والدولية، مما سوف يبني لدى وزارة التعليم مع مرور الوقت قاعدة بيانات رئيسة للمخاطر المحتملة في هذا الجانب، أضف إلى ذلك أن تلك الأعمال الرقابية تنطلق من داخل كل البيئات التعليمية المتنوعة ليعود ويخدمها جميعها مرة أخرى كتغذية راجعة مستمرة. وأخيراً إن هذه الاستقلالية سوف تسهم في إعطاء مزيد من الصلاحيات الرقابية لأعضائها العاملين فيها، الذين يباشرون الأعمال الوقائية داخل مقرات الجامعات المتنوعة في المملكة.

وبما أن الحديث يدور حول هذا المفهوم الرقابي التساؤلي، فإن أحد أبرز مفاهيم الإدارة الحديثة، هو ما اصطلح على تسميته بمفهوم التعلم التنظيمي. والذي يتجه بموجبه القياديون والإداريون في المنظمة أياً كانت مستوياتهم الوظيفية إلى توسيع دائرة تعلمهم ومعارفهم. وذلك بالتساؤلات الدائمة والمستمرة، كيف نتعلم؟ وماذا نتعلم؟ وما هي أفضل سبل التعلم التي تخدمنا حالياً؟ وكيف نوظف المعلومات الجديدة في سبيل تطوير مستوياتنا المهنية والعلمية؟.

وعندما تحاول ربط هذا المفهوم بأعمال المراجعة الداخلية. فإنك ستصل إلى الاعتقاد بأن هذه الإدارة قد تكون أحد الأسباب التي تدفعك إلى استمرارية التعلم التنظيمي. وذلك لأنها تقف وبشكل كبير على أسلوب الأسئلة المتدفق، الذي يتيح لك التفكير في أبعد من النقطة التي تقف فيها حالياً.

ماذا لو؟.

ماذا لو لم تنجح الخطة الإستراتيجية الجديدة؟

ما الذي سيحصل لو وقعت مشكلة في رسيفرات إدارة الحاسب الآلي لدينا؟.

ماذا سنعمل لو حصلت إشكالية في أنظمة الأمن الداخلي في المنظمة؟

 ما الإجراءات المتبعة التي سنسلكها لو مرت الجهة بأزمة ثقة كبيرة بينها وبين البيئة المحيطة بها؟

عدد لا متناه من الأسئلة التعليمية التي تطرحها إدارة المراجعة على الجهة نفسها، والتي لو استثمرتها بالشكل الجيد. سوف تزيد من مستويات التعلم التنظيمي المؤدي في النهاية إلى النضج الإداري المتميز.