جدة: بدر القحطاني


مساء الثلاثاء الماضي 2 مارس 2010، لم يكن مساء عابرا ككل المساءات في حياة الروائي الذي بات أشهر سعودي يكتب الرواية (عبده خال).

مساء أصاب جواله بالخرس، إذ لم يتلق مكالمات في حياته كما تلقى يومها، وامتنع عن الرد على جيوش المتصلين، ولو أظهرت شبكة الاتصالات إحصائية لربما عجزت عن ملاحقة الأرقام الهائلة الكثافة التي كانت تهنئ وتبارك آتية من كل أنحاء الدنيا، وخال مزهو بإنجازه الذي جلب البهجة للوطن، وأربك شبكة الاتصالات.

ما بين قرية (المجنة) في أقصى الجنوب من جازان على تخوم الحدود السعودية اليمنية التي ولد فيها عام 1962، وأزقة الهنداوية ورواشينها في جدة مساحة هائلة من الحزن واليتم والفرح المؤجل لعبده خال الذي يتيه خيلاء هذه الأيام بعد أن حصدت روايته (ترمي بشرر) جائزة بوكر للرواية العربية في نسختها الثالثة 2010.

قبل (حوار على بوابة الأرض) المجموعة القصصية الأولى التي دفع بها خال للنشر عام 1987، كانت هناك خواطر، وارتباكات شعرية، و(شقاوة) في حارات المدينة التي ارتحل إليها صغيرا، حيث ذاق مرارة اليتم والفقد ونشأ في أحضان شقيقه الأكبر أحمد الذي أهداه إحدى مجموعاته القصصية (إلى أحمد الكبير في حزنه).

ضنك الحياة، إذن حدد مسارات خال، وجعله يقبض على حلمه، مندفعا به نحو ألق الرواية، حتى كان عام 1996 حين استجاب لنبوءة الكاتب السوداني حامد بدوي الذي أقام في السعودية ردحا من الزمن، ورشح خال إبان فورة الحداثة في الثمانينيات لاجتراح أفق الرواية بجدارة فكانت (الموت يمر من هنا) فاتحة الطريق التي عبدها خال بالدأب والسهر والإصرار رواية تلو رواية (مدن تأكل العشب)، (الأيام لا تخبئ أحدا)، (الطين)، ( فسوق)، وبينها ثم مجموعات قصصية واحدة منها للأطفال (حكايات المداد) وتجربة مسرحية.

غزارة في الإنتاج، جعلت غازي القصيبي يصرخ مرة (أبعدوا هذا الفنان عني)، ويبدو أن حياة الروائي خال التي بدأت من صرخته الأولى في قرية المجنة، وصقلت في مدينة حافلة بالحياة والتعب والأوجاع التي لا تنتهي، والتي يعرفها المقربون من خال الذي أنهك السكر ومتاعب القلب جسده النحيل، مسيرة أدبية وصحفية، دفعت أعماله نحو التميز، فيما يرى مراقبون أن التابو عندما يُكتب من قبل كاتب سعودي، يُمثل نجاحاً بغض النظر عن الكاتب أو ما كتب!. اشتغل خال في الصحافة منذ عام 1982 متعاونا وهو على مقاعد الدراسة حتى نال درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعـة الملك عبدالعزيز 1986، وتغـرب معلمـا للصبيـان في مـدينـة عرعر قبل أن يعود للاستقرار في جدة.

وفي مطالع العقد الأخير ترك العمل الصحفي في القسم الثقافي بصحيفة عكاظ، ليخوض تجربة الكتابة اليومية في الشأن العام، مقتربا من نبض الشارع وأشواقه الحارة. حينها عبر خال عن ارتياحه العميق لفكاكه من محرقة العمل الصحفي اليومي. ليتفرغ لأسرته الصغيرة زوجه الفنانة التشكيلية حنان الجهني وأبنائهما وشل 18 عاما وعذب 16 عاما ومعد 14 عاما ورهف 13 عاما.

وبدأت مرحلة جديدة في مسيرته متجلية بخوضه سجالا فكريا بات يشكل ملامح المقالة الصحفية في السعودية عقب أحداث 11 سبتمبر، حيث المواجهة الضارية بين قوى التنوير والمتشددين، مسجّلاً انتصارا "غير مباشر"، لشخصية الكاتب الصحفي الذي "يعايش" المجتمع، ويسرد قصصه التي يتمتمها قرّاؤه، من مشاكل وقضايا وهموم، يعتصر بعدها فكره، الذي يدفع عجلة الإنتاج الروائي إلى الغوص داخل أعماق المجتمع، ليصل إلى تعريته بشفافية المبدع الرائي.

يبحث خال خلال مقالته اليومية، عما ينشد المجتمع من حقوق وتغيير نحو الأفضل، ودائما بـ (اتجاه المطر) وهو أحد عناوين الأعمدة الصحفية التي بدأ بها عبده مقالاته الصحفية، مصوبا سهام قلمه، مرتجلا صهوة النقد، إلى الحد الذي قرأه الآخرون بأنه نوع من "جلد الذات".

وعلى الرغم من عدم قناعته باقتران الصحافة بالعمل بالأدب، كما قال خال لـ"الوطن" صباح أول من أمس، إلا أنه لم يحجب مدى التواصل الناتج عن مقالاته الصحفية. مؤكداً أن الصحافة أتاحت له الشهرة، والوقوف على بواطن الأمور المتعلقة في حياة الناس.

من يعرف خال عن قرب يدرك جيدا مدى انحيازه للناس والتصاقه بهم، محطما تلك الفكرة العتيدة (الأدباء في أبراج عاجية)، وليس خافيا أن أجواء الحارة الشعبية الحجازية عملت كثيرا في صقل روحه، وجعلته أكثر تواضعا، وأكثر اقترابا من الناس.