سوأل فضولي يعيشه اندهاشاً كل طفل كان يشتاق لحقيبة مدرسية يحملها، ليحمل بعدها أرطالُ كتبٍ تقوّس ظهره إنهاكاً وصدمات حيرى، وإجابةٌ تترنح بين مدارسنا وجامعاتنا للإجابة عنه، أو حتى إقناعنا به!
دراسة معادلات الرياضيات وتفاضلها المخيف وتكاملها المرعب ولغاتها اللوغاريتمية، مشكلة داخل قاعاتنا الجامعية وفصولنا الدراسية، وأسئلة جوفاء تشوبها فوبيا العلم كثيرا ما تتردد، منها: لماذا نتعلم الرياضيات؟، وموادُ علومٍ لها (علومٌ) أخرى تهيم بين تجارب الأحياء (الورقية) الشاكية لموت معاملنا المحنطة التي يزينها ميكروسكوب أثري في المدرسة أَضعفَ من بصيرة طلابنا عند النظر إلى جناح ذباب أو ذبابة كي يفرقوا بينهما! وميزان حرارة، وبارومتر منتهية الصلاحية، وبعض من كتب جامباتستا دللابورتا المغبرة في (الطبيعة) لمعرفة العدسة المقعرة والمحدبة في زمن العدسات الملونة!
مواد طبيعية متأخرة في تعليمنا جعلت من ترتيب السعودية متجاوزة التأخر في المراتب المتدنية، وهذا ما دعمه أحد تقارير البنك الدولي السابقة، والذي ذكر أن أكثر من 75% من الطلاب العرب يتخصصون ويتجهون نحو الدراسات الإنسانية وتخصصاتها، متجنبين العلوم الأساسية والرياضيات.
وبنظرة سريعة؛ فمخرجات مواد العلوم والرياضيات لدينا اليوم ضعيفة، وللأمانة لسنا وحدنا ندور في تلك الحلقة، فدول متقدمة كثيرة تعرف حجم المشكلة ونتائجها، فأمريكا في منتصف الخمسينات من القرن التاسع عشر كوّنت عدة لجان اجتماعية وتربوية وعلمية بميزانية تجاوزت خمسة ملايين دولار، لأن الاتحاد السوفيتي تجاوزها بإرسال أول قمر صناعي، وبحثت في أسباب التجاوز ومكامن القصور التي أثبتت جميعها ضعف مناهج الرياضيات والعلوم.
وفي بداية التسعينات قدّمت لجان (استراتيجية التعليم لعام 2000) تقارير ووثائق وطرق تجعل من الطلاب متفوقين في الرياضيات والعلوم، للوصول إلى هدف احتلال الطالب الأمريكي المرتبة الأولى في العالم، ومنها وثيقة (معايير منهج وتقويم الرياضيات المدرسية)، ووثيقة أخرى (لمبادئ ومعايير الرياضيات المدرسية) من عدة جهات علمية وبحثية واعتمدت تطبيقاً، وذلك جعل كثيراً من الدول المتقدمة تراجع استراتيجياتها التعليمية، فعن CNN ووفق ما نقلت الأسوشيتد برس عن "منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي" أعلنت نتائج بحث حديث أن الطلاب الفنلنديين هم الأفضل في مادة العلوم من بين طلاب 57 دولة، وهي نتائج اختبارات شارك فيها أكثر من 400 ألف طالب، في سن الـ15، وركزت الاختبارات على مادة العلوم، وحاز طلاب هونج كونج وكندا، على المرتبة الثانية وفق الدراسة، وتلاهم نظراؤهم في تايوان وأستونيا، واليابان، ونيوزلندا، وأستراليا، وقبع الطلاب الأمريكيون في المرتبة الـ29، خلف طلاب بريطانيا الذين حازوا على المركز 14، فيما نال طلاب فرنسا المرتبة 25، أما في اختبار مادة الرياضيات فقد تفوق الطلاب التايوانيون، والفنلنديون، وهونج كونج.
إن جامعاتنا ومدارسنا تتطلب أن تُبنى ليصبح طلابنا تواقين لدراسة العلوم الطبيعية، وبخاصة الرياضيات، فالمشكلة الحقيقية لدينا ليست في تدريس العلوم الإنسانية وآدابها و(إهمالاً) لتطبيقها على السلوك الإنساني وتلك لعمري قضيةً كبرى، ولكنها تبقى في مناهج العلوم والرياضيات وطرق تدريسها وتطبيقها العملي الذي يمثل قناة التفوق والإثبات بنظرياته وبراهينه، فالسير على نهجٍ يجعل المواد العلمية تضع الأسس الفكرية والتكنولوجية للعالم الحديث أصبح منعطفاً هاماً ومحرجاً في تعليمنا في ظل معطيات العصر وتوفر الثروة والدعم الكامل من الدولة لجامعاتنا ومدارسنا، ولا يحتاج منا بناء المشاريع التي تصب في تطوير هاتين المادتين إلى الإرجاء والتأجيل، بل البحث السريع والحلول البعيدة والوقائية أيضاً بمشاركة الطالب والمعلم وأولياء الأمور والخبراء والمتخصصين من الجامعات أو الشركات، بالإضافة إلى البحوث العلمية ـ عمود التقدم في شتى العصور ـ.
أعرف أن جهود مشروع (تطوير) ومناهجها (المكثفة) الجديدة تسير نحو التطوير فعلاً ولكن ذلك كله يحتاج منا إلى تخطيط استراتيجي زمني محدد، وتقويم مستمر للأداء والنتائج, يسبقه تدريب مكثف لتدريب المشرفين التربويين أولاً ثم المعلمين وربط ذلك مع طلاب كليات التربية في الجامعات أثناء دراستهم، لمعرفة مدى ملاءمة التطبيق لخدمة الأهداف وتناسق المدخلات والمخرجات، حتى نستطيع حل جميع المعادلات بما في ذلك مجموعة الحل (فاي)، والنهايات (بسطاً ومقاماً) بالضرب (التبادلي) بين خبرات الدول المتقدمة و(الاختصار) في الزمن الذي يحتاجه وطننا وأجيالنا القادمة لتعرف أن حل المعادلة: س + ص= المستقبل بأسره!.