ليست هذه الحملة الإعلامية المأجورة المسعورة ضد السعودية بجديدة، أو وليدة مقتل جمال خاشقجي «رحمه الله»، وليست حتما بسببه، فكثيرا ما تعرضت المملكة للإساءاة، لثقلها وعزمها ونجاحها في إفشال مخططات ومشاريع الفوضى في المنطقة، ومواقفها الحازمة تجاه من يحاول التجاوز عليها أو الإساءة إليها، وليست مواقفها الحازمة من السويد وألمانيا وكندا عنا ببعيدة، وقيامها بقطع علاقاتها مع إيران  قطر، ومواقفها الأخوية الداعمة لمصر والبحرين واليمن، والتي أحبطت عبث أعمال وأحلام أعداء الأمة خلال ما يسمى الربيع العربي، وعدم قبولها المهادنة أو المجاملة مع من يسيء إليها، كائنا من كان، وموقفها من الاتفاق النووي الإيراني، وإقناعها الإدارة الأميركية بالتراجع عنه، ومكافحتها الإرهاب بعزم لا يلين ولا يهين، بشهادة وإشادة الدوائر الأمنية العالمية، واستضافتها مقر مكافحة الإرهاب الدولي في العاصمة الرياض، مما أزعج وأربك أهله ومموليه الإقليميين والدوليين، فضلا عن تبني قيادة المملكة كثيرا من الإصلاحات والإجراءات الواعدة، منها رؤية 2030 بطموح غير مسبوق سيجعل المملكة من أوائل الدول المتقدمة والمتطورة صناعيا واقتصاديا وفي كل المجالات.

هذه -من وجهة نظري الشخصية، وباختصار- الأسباب الحقيقية لهذا الصراخ والعويل والحقد، وليس لشخص جمال خاشقجي، فهناك كثير ممن تمت تصفيتهم واعتقالهم واختطافهم، وبقي مصيرهم لغزا من الألغاز، بمن فيهم رؤساء دول ومشاهير، مثل رئيس بنما الذي اختطف من مقره إلى خارج بنما، واغتيال الرئيس الأميركي «كندي» في الشارع العام، واغتيال الأميرة «ديانا» في حادث السير المعروف، واغتيال رئيس وزراء لبنان «رفيق الحريري» بتفجير موكبه في بيروت، واغتيال المعارض الإيراني شهبور بختيار في فرنسا، واختطاف محافظ القدس «رعد الليث»، وقتل واعتقال واختطاف آلاف المواطنين والصحفيين في إيران وتركيا، والإبادة الجماعية الممنهجة التي جرت وتجري في سورية وبورما والعراق، ولم نسمع نبحة واحدة.

ليس معنى كلامي هذا التهوين أو التبرير ولكن المرفوض رفضا قاطعا هو تسييس هذا الحادث واستخدامه شماعة للإساءة إلى المملكة أو التلويح بتهديدها، وهو ما دفع المملكة إلى الرد على ذلك في بيانها السابق الشهير، الذي زلزل مصادر هذا الطيش، حينما وضع الحروف على اللوح، ووضع النقاط على الحروف، تلا ذلك إعلان المملكة قرار إعادة قضية مقتل جمال خاشقجي من سوق المزايدات والتلوث الإعلامي إلى ميزان العدل والقانون الراجح بالحق، مما أصاب جميع الناعقين والمرجفين والمؤدلجين واللاطمين ومن يدور في فلكهم بالخيبة والإحباط والإرباك، وليعلموا -ومَن وراءهم جميعا- ويعلم كل من في قلبه زيغ أو مرض، أن السعودية ستبقى عصية عليهم، وصخرة صلبة تتحطم عليها أحلامهم وأوهامهم.