يعتني معظم أفراد البشرية بمظهره ومسكنه ليكون ذلك مرآة شخصيته في ذهنية الرائي، لكن يتناسى أغلبهم الاعتناء بما هو دائم لا يهترئ بمرور الزمن، مثل أن نفرش بيوتنا بالابتسامة المتكررة والترحيب القلبي الدائم وإن مع قلة ذات اليد. بالاعتناء الدائم بالرأسمال المتواجد في اليد يمكننا التطور والترقي، وإلا فكم من شخص حصل على المال عن طريق الهبة أو الإرث، ولم يحافظ عليه، لا لشيء سوى أنه غير مؤهل لكل المتغيرات في حياته.

يقول جيمس الان في كتابه القيم «كما يفكر الإنسان يكون» مخاطبا القارئ، «ربما تعيش في كوخ صغيرـ محاطا بمؤثرات غير صحية وربما ضارة، وترغب في منزل أكبر وأكثر ملاءمة من حيث شروطه الصحية، عليك إذن أن تكون ملائما للإقامة في مثل هذا المنزل، وتفعل هذا أولا بأن تجعل الكوخ الذي تعيش فيه جنة صغيرة قدر الإمكان.... افرش منزلك بالابتسامات والترحيب، وثبت هذه بمسامير الكلمات اللطيفة ومطرقة الصبر، مثل هذا السجاد لا يبهت تحت الشمس ولا يهرأ من الاستخدام المتكرر». بمثل هذا التعهد الذي يطلبه منا هذا المفكر الأميركي لرأسمالنا اللامادي يمكننا أن نحافظ على رأسمالنا المادي، لأن جواهر المعاني والقيم أغلى في حقيقة أمرها من الجوهر واللؤلؤ المادي، فالأولى دائمة والثانية فانية، ليس فقط في نظر الزهاد كما قد يتبادر إلى الذهن، بل بمنظار المنطق والعقل، لأنه بالحفاظ على رأسمالنا اللامادي نكون مؤهلين للحفاظ أولا ثم لتنمية رأسمالنا المادي. عند الترقي في معارج الوعي تتغير نظرتنا للأمور، فتنقلب المساوئ إلى محاسن، فالكل مسخر للإنسان ليستعمله في تحقيق مقاصده، إلا أنه حين تغلف البصيرة بحجب المادة لا تظهر الأشياء على حقيقتها، فيخطئ الإنسان طريقه من حيث يظن أنه على الصواب، والعكس دوما صحيح، فبقدر تقدمه في عملية الصعود الأفقي في معارج الوعي، كلما انجلت حجب أستار الران عن قلبه لتنجلي له حقائق الأشياء كما هي، فتعظم قيمة المعاني الراقية في باطنه، وبرأسماله اللامادي ذاك يحافظ وينمي رأسماله المادي.

إن «افتقاد الوقت ونقص وقت الراحة» مثلا يضيف نفس الفيلسوف مخاطبا قارئ كتابه «كما يفكر الإنسان يكون»، «ليسا دوما بالشر الذي تتخيله، وإذا كانا يعيقان تقدمك فهذا لأنك ألبستهما ضعفك أنت، والشر الذي تراه فيهما كامن فيك أنت».

كم من الحجب الفكرية والأستار الوهمية هي سبب تأخر الأفراد والجماعات والأمم، فكم نحن محتاجون اليوم أكثر من أي وقت مضى، لوثبة روحية تصفي الأذهان من التعلقات القلبية برأسمال مادي، لا نقول بإلغائه، لكن ندعو إلى الوعي به والحفاظ عليه وتنميته بالوعي بتراثنا اللامادي المتجلي جواهر المعاني والقيم الأخلاقية التي تحويها فطرتنا الإنسانية.