أتابع وسائل الإعلام العربية المقروءة والمرئية من قبيل الرصد والتقييم فأجدها بصفة عامة متشابهة مضموناً وطريقةً، فالمصداقية منخفضة واحترام فكر المشاهد يكاد يكون منعدماً، فأتعجب مما أشاهد في بعض الأحيان لكن عندما تكثر العجائب لا تصير عجائب!

بينما كنت في جدة في شارع التحلية تحديدا وقد غرق بمياه الأمطار تذكرت مجلة أمانة جدة وقد حوت مواضيع عن مشاريع التنمية مع صور تعطي انطباعاً بأنك في باريس، بينما الحقيقة أنك في جدة.

مع هذا المشهد تداعى شريط الذكريات وتذكرت جريدة الأهرام التي أدخلت بعض اللمسات على الصورة الشهيرة لوفد السلام في واشنطن. ثم تذكرت جزءاً من برنامج "ورقة بيضاء" وكانت الحلقة حول ملف حقوق الإنسان في المملكة، فافتتح الضيف حديثه قائلا إن وجود مؤسسة حقوق الإنسان هو مجرد تحصيل حاصل، وإن ما يحدث من أخطاء فردية لا يعني الخلل في الأنظمة.

ثم تعمد عقلي إيلامي فذكرني بأحد الأخبار على التلفزيون المصري حيث قامت إدارة سجن النساء بعمل إفطار للسجينات مع أسرهن كدعم لهن. وعندما سُئل مدير السجون حول هذا الاحتفال وأنه محاولة لإصلاح صورة مصر عالميا، أجاب أن مصر تعامل السجناء بصورة إنسانية وأن التقارير السلبية الصادرة من المؤسسات الدولية هي تقارير كُتبت بعيون غير مصر ولا تحب مصر. وانتهى الخبر بصوت المذيعة قائلة "وقد كانت السفرة عامرة بأصناف الطعام والشراب لإدخال البهجة على نفوس السجينات"، مع أن اللقطات المصاحبة أظهرت السفرة وهي فارغة إلا من بعض الأطباق التي حوت حبات من التمر وأكواب الماء.

هذه النوعية من الأحداث تجعلني دائما ما أستحضر الصحّاف وزير الإعلام الحربي بالعراق أثناء غزو العراق وهو يصرح ويصرخ بالنصر ودحض العدو ويعطي تفاصيل حول أداء الجيش في الحرب كلها كاذبة تماما وبكل صلافة حتى صار الصحاف حينها الموضوع المفضل لبرامج الكوميديا في ذلك الوقت.

فالصحاف عندما كان يصرح بثقة مبهرة لم يكن رجلاً عشوائياً بل كان يعكس قيماً صحّافية أصيلة في إعلامنا العربي مفادها أن الآخر لا قيمة له، ولا مشكلة في ممارسة الكذب عليه وهو على علم بذلك لكنه مرغم على التصديق.

المشكلة أنه منذ عهد عبد الناصر وحتى اليوم والإعلام العربي "صحّافي" بجدارة لا يتغير وكأنه من الثوابت، فهو منفصل عن تيار الحياة، لا يدرك الثورة الهائلة في الاتصالات ولا أن العالم أصبح متصلاً بصورة يصعب معها منع وصول الحقيقة، إعلام يفهم تغطية الأحداث بمفهوم وضع غطاء عليها وإخفائها!