تعيش بلادنا اليوم مرحلة تحول كبرى في شتى مجالات الحياة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية، وهذا التحول الكبير سيسهم في بناء قواعد أساسية ومحطات لمراحل مهمة تعد تاريخية، ومن أبرز هذه التحولات البرامج الاقتصادية في رؤية 2030، والتي تعزز القوة والمكانة الاقتصادية للمملكة، من خلال فتح فرص جديدة واستثمار الإمكانات المتاحة والموارد الطبيعية.

إن ما أعلن عنه في برنامج «التنمية الريفية الزراعية المستدامة» فرصة كبيرة جداً لبناء اقتصاد زراعي مستدام يمثل أمنا غذائيا للأجيال المقبلة، فالفرص المتاحة في المجال الزراعي جبارة ولا يمكن تصورها، حينما تترجم إلى تصنيع وتصدير واكتفاء ذاتي واقتصاد مواز للاقتصاد الصناعي المعتمد على الصناعة النفطية ومشتقاتها، فالتنوع الجغرافي لدينا ثري بمقومات ندر أن نجد لها مثيلا في العالم.

 لدينا مساحات زراعية متنوعة نستطيع أن توفر من خلالها الآلاف من الفرص الوظيفية، فكل منطقة من بلادنا لها منتجاتها الزراعية التي تميزها، والتي لا توجد في منطقة أخرى نظراً لطبيعتها الجغرافية ومناخها، وهذا ما يعزز من فرص الاكتفاء الذاتي والتصنيع المحلي والتصدير أيضاً.

 فمثلاً مناطق الشمال والجوف خصوصاً تنتج الزيتون الذي يعد من أجود الأنواع الموجودة في العالم، فجودة المنتج تجعل منه قوة منافسة لأخذ حصة سوقية كبيرة في ظل منافسة المنتجات الأخرى، وكذلك حائل التي تنتج البطاطس والحمضيات بجودة عالية، ومحافظات جنوب الرياض الحوطة والحريق تزرع أصنافا مختلفة من الحمضيات، والطائف وتبوك لهما فرصة وحصة في مجال الورود، والقصيم التي تزرع العنب وتستفيد من المنتجات الأخرى منه مثل «ورق العنب»، وهو من أكثر المنتجات التي تباع في الأسواق، وكثير منه مستورد.

 وحينما تتجه إلى جنوب المملكة تجد فرصا أخرى مثل التين والمانجو الذي تنتجه منطقة جازان، ويعتبر صنفا مميزا وذا جدوى اقتصادية كبيرة، والبن الذي يمثل السلعة الثانية والأكثر تداولاً في العالم بعد النفط، والفل الذي يمثل 70 % من مركبات العطور ما يزال دون استثمار مما يمثل اقتصادا خفيا يستنزف خيرات البلاد. وليس ببعيد السمسم وزيوته التي تستخدم في العلاجات الطبية، كلها بحاجة إلى إقامة مصانع للتصنيع والتصدير، وأيضاً النباتات العطرية والعسل الذي نستورده من الخارج، ولدينا أجود الأنواع وأفضلها، ولكنه ما يزال في أطوار استخلاصه وتسويقه بطرق بدائية، هذا ناتج عن عدم الاستفادة منه بشكل اقتصادي، حيث يدخل في تصنيع كثير من الحلويات والتي يرفع من قيمتها الغذائية بعيداً عن المحليات الصناعية الأخرى.

 وتبرز الحاجة اليوم إلى وجود كلية للزراعة في جامعة جازان لتساهم في تطوير الأنظمة الزراعية والبحث العلمي للمجالات الزراعية، ولتقف على الإمكانات المتاحة والفرص المتوفرة بشكل علمي، وتبحث المستجدات وتقيم الأبحاث والمشاريع التي تدعم السوق، وتساهم في خلق أسواق جديدة ومنتجات تتلاءم مع طبيعة الإنسان والمكان.

والتنمية الريفية مرتكزة بالدرجة الأولى على بناء المجتمع وتعزيز فرص التنمية في الريف والاستثمار في البنى التحتية وتطوير أنظمة التعليم والصحة، وكذلك الاستفادة من الأراضي الصالحة للزراعة واستصلاحها ودراستها بشكل فاعل، والتي تساهمُ في استغلال الموارد الطبيعيّة والاستفادة من التقنية الحديثة في المجال الزراعي والتصنيع الزراعي، وتقديم الدعم المناسب للمزارعين، والبحث عن طرق بديلة وحديثة ترفع الإنتاج وتخفض التكاليف، ودراسة منتجات أخرى تكون صالحة للزراعة في البيئة المحلية.