تطرق وزير العمل في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إعلان الميزانية إلى سؤال مهم وجوهري، وهذا بلا شك يوضح أن هناك توجها جيدا للتوطين بشكل فعال، حيث قال: لماذا يعمل المواطنون في الوظائف الدنيا تحديدا في القطاع الخاص؟

في الحقيقة هو سؤال مهم وضروري، والإجابة عنه تحتاج إلى مزيد من الوقت والإجراءات حتى نتعرف على سبب تواجد المواطن في هذا المستوى الوظيفي في القطاع الخاص، ومن المهم أن يكون المواطن في جميع المستويات الوظيفية المختلفة، سواء الإدارية والتنفيذية والتشغيلية.

ولكن مع هذا لو نظرنا تاريخيا إلى القطاع الخاص طوال العقود الماضية، فهو يعتمد بالدرجة الأولى على عمالة وافدة، سواء بسبب قلة رواتبها، وليست منخفضة التكاليف بالتأكيد، ولكن يعتمد على اقتصاد البلاد التي يأتون منها فيكون الراتب المنخفض لدينا يعد كبيرا وعاليا بالنسبة لها، ولا يحصلون عليه في بلدهم الأصلي، وربما حتى فرصة العمل نفسها.

في فترات سابقة كان هناك احتياجات لوجود عمالة لأسباب مختلفة، واعتاد القطاع الخاص على هذا السلوك، سواء من خلال التستر التجاري، حيث إن التأمينات الاجتماعية دخلت أخيرا بشكل إلزامي، وضرورة إيجاد عقود وظيفية توضح العلاقة بين الأطراف، والذي افتقد في فترات سابقة، مما عزز من فرص تمكن العمالة الوافدة في سوق العمل السعودي.

من الجوانب المهمة في القطاع الخاص التي يفتقد إليها، الأمان الوظيفي، فكثير من المؤسسات التجارية الخاصة، خصوصا العائلية، لديها حساسة مفرطة ضد المواطن، ولا يعلم هذا التاجر أنه في الأساس مواطن، حيث قدم له الوطن كثيرا من الفرص، وربما القروض والدعم حتى أصبح اليوم تاجرا، وعليه رد الجميل لوطنه.

سلوك بعض رجال الأعمال لدينا غريب بعض الشيء، حيث تجد الأعمال الخيرية والمساعدات التي يقدمها للناس كثيرة، وفي الجانب الآخر يرفض توظيف المواطن أو يتحايل على الأنظمة والقوانين لإحلال العمالة الوافدة!!

والخير له صور كثيرة ومتعددة، حينما تسهم في توظيف شباب وشابات الوطن وتطويرهم وتوفير رواتب جيدة تعينهم على الحياة ومتاعبها، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

سيطرة العمالة الوافدة على بعض المنتجات والأسواق يحتاج إلى وقت طويل وإجراءات كثيرة وصارمة لتغييره.

في نظري إن الإجابة عن سؤال الوزير عن وجود المواطن على الهامش أو الوظائف الدنيا في القطاع الخاص له أسباب متعددة ومختلفة، أولها أن المواطن يبحث عن فرصة عمل حقيقية يكون فيها راتب جيد وأمان وظيفي ومستوى تطوير وترقية مناسب ومرونة في العمل، فلا تزال ساعات العمل مختلفة بين القطاعين العام والخاص، هذا فيما يخص طالب العمل، أما أرباب العمل فهم على دراية بوجود توجه كهذا لدى الشباب، لذلك يوفرون البيئة والمناخ المناسب من راتب زهيد لا يغري بالبقاء، ووظيفة متدنية ليس لها أي تأثير على سير العمل أو اتخاذ القرار، وفي الغالب يكون هناك موظف وافد بديل جاهز يدير العمل أو يستخدم المواطن كواجهة فقط حتى لا يتأثر نشاط الشركة بالعقوبات المقررة، وأيضا هناك قوانين قد تستخدم من القطاع الخاص بشكل سلبي، وهي الفصل التعسفي وفق بعض المواد التي تساعد في طرد الموظف البسيط الذي لا يهتم ولا يلتفت له أحد سوى نفسه وعائلته، وإلا متى أدرك القطاع الخاص أن فصل موظف لأي سبب سوف تكون له انعكاسات اجتماعية كثيرة، وأنه ربما يجر المؤسسة إلى عقوبات كثيرة وتحقيقات متعددة الأطراف، فسوف تفكر جليا في التوظيف المناسب للكفاءات، وكيف يكون ومتى لا يكون، وهناك مؤسسات وطنية لديها موظفون سعوديون أكفاء يديرون العمل بكل كفاءة واقتدار، ويحققون الأهداف والأرباح.