يحيّرني الدال كثيرا. أصبح حرف الدال أشهر حروف الهجاء، وأكثرها بهجة وحضورا عند أرباب المناصب وعاشقيها، وأكثرها تعرضا للنقد عند المتواضعين من أهل العلم الذين تجلب لهم الدال عار الكبرياء!.

وليس للدال ذنب في بعض أمراض النفوس، فوضعه أمام اسمي أو اسمك لن يزيدني علما ولا كبرا. ونزعه لن يزيدنا جهلا أو تواضعا.

فالعالم عالمٌ بالدال وبغيره، والمتواضع لن ينزع به العجب منزعًا لأنه أصبح دكتورا.

أعتقد أن الشريحة التي تقدس اللقب كان هدفها هذا اللقب، وحينما حققته لا ترضى بوجه من الوجوه التنازل عنه. ولكن لماذا التعميمات؟ لماذا نوجّه يد الاتهام إلى كل دكتور، وفيهم من العلماء الأجلّاء الذين ينطبق عليهم الوصف، وتليق بهم الدرجة علما وفكرا وخُلُقا؟!

انتشرت حمى توجيه الاتهامات لكل دكتور يضع الدال أمام اسمه، وكأنه ارتكب جريمة إنسانية!

ولماذا نتفاخر بالتجرد من اللقب، وهذا من أدب ديننا، فقد جاء ديننا الإسلام موجها لنا بألا ندعو نبينا بغير لقب، وهذه رسالة كبيرة: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا» (النور: 63)، وفي ديننا أن من ينادي والديه باسمهما فهذا من العقوق، فلا نخاطبهما إلا بلقب «أبي وأمي» احتراما وتقديرا، وكان علماؤنا يجلون بعضهم بعضا، ومنهم تعلمنا أدب التخاطب، فلا يخاطبون الشيخ إلا بأجمل الألقاب، وما التعاظم حينما أنادي أستاذي بلقب أستاذ أو دكتور؟ أليس ذلك أقل تقديرٍ واحترام لعلمه وقدره؟ وما العيب في أن تنتشر الألقاب بيننا تقديرا واحتراما، أليس من أدب الحديث؟!

فقد روى الطبراني «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه أن يدعى الرجل بأحبّ أسمائه إليه وأحبّ كناه».

لماذا ادّعاء التواضع في نزع الألقاب بين أهلها؟. احتسبوها كلمةً طيبة، وإدخالَ سرورٍ على نفس.

نحن نزرع الإيجابية ونقول للطفل: يا دكتور.. يا مهندس.. يا عالم.. تفاؤلا وزرع ثقة، فلماذا لا نوقّر كبارنا؟!

«ليس الدال هو بيت قصيدي، بل اللقب تقديرا واحتراما. مع تحفظ كثيرٍ من علمائنا على لفظ دكتور، واستبداله بأستاذ».