يوم الاثنين قبل الماضي نشرت "الوطن" مقالي الذي استَنْجَدتُ فيه بالأمير سلمان للتصدي لظاهرة سوء تنفيذ مشاريع صيانة الشوارع وتنفيذ الأرصفة وتمديدات المياه والصرف الصحي وسوء الإشراف على تنفيذ تلك المشاريع، وأكدت وجود الظاهرة بأمثلة خمسة كلها في شمال مدينة الرياض، وبحكم مسؤولية أمانة مدينة الرياض فقد بادَرَتْ السبت بالرد على مقالي بإيضاح ما لديها عن تلك الحالات الخمس التي أوردتها بهدف نفي الظاهرة، ولا شك أن من حق الأمانة أن ترد، بل من واجبها أن تفعل ذلك، ولهذا فلابد أن أشكرها ابتداءً، كما أن من حقها أن تحاول نفي الظاهرة، ولكن من حقي حينئذ أن أناقش ما ورد في ردها وأترك الحكم بعد ذلك لسمو الأمير الذي استنجدت به.

الحالة الأولى التي ردت عليها الأمانة نفق تقاطع طريق الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد مع طريق الملك عبدالعزيز الذي استغرق تنفيذه في الأصل وقتاً طويلاً، وبعد انتهائه واستخدامه فترة ليست طويلة أحدثت به أمطار العام الماضي خللاً في مساره الشمالي، أدى لإغلاق نصف ذلك المسار، فأحدث هذا ربكة شديدة في حركة السيارات التي تعبره. وكان المفروض ـ كما قلت ـ أن يكون هذا حافزاً للإسراع في إصلاح الخلل، غير أن هذا لم يحصل إلا بعد ما يقارب العام، وقد قالت أمانة مدينة الرياض إن عملية الإصلاح التي تتم في الكبري تابعة لوزارة النقل، ولو اقتصرت على هذا لكان الأمر مقبولاً منها، لكنها أوجدت العذر لوزارة النقل وبررت تأخرها في إصلاح الخلل بأسلوب غير مقبول في رأيي فقالت إن هذا الإصلاح (صيانة عادية) ولا أدري كيف يكون ما حصل صيانة عادية مع أنه لمعالجة ما نتج عن أمطار العام الماضي على ذلك النحو المعروف للجميع، وكيف يمكن قبول استمرار الصيانة العادية ما يقارب العام على ذلك النحو الذي تسبب في ربكة كبيرة في السير طيلة تلك الفترة الطويلة؟

وبالنسبة للحالة الثانية وهي تقاطع شارع الأمير تركي بن عبدالعزيز الثاني مع شارع العليا الذي قلت في مقالي إنه ظل مغلقاً أكثر من عام لسبب غير واضح، فقالت الأمانة إن ذلك قد حصل لعمل ثقب مائي في طريق الملك فهد (أي ليس في الموقع نفسه) وإن العمل على وشك الانتهاء.. هكذا قالت.. فهل من المقبول تعطيل تقاطع شارعين بالغي الأهمية لأكثر من عام لعمل (ثقب مائي) وكيف توضع الكتل الخرسانية في وسط مساري شارع العليا في وجه الذاهب والقادم على ذلك النحو البالغ الخطورة ليس على سيارات المواطنين فقط بل على أرواحهم؟

أما بالنسبة للحالة الثالثة وهو الرصيف الذي أوضحت في المقال كيف تم تنفيذه، والفترة التي استغرقها ذلك، ووضعه الآن بحالته غير المقبولة التي تبدو بالغة العجب، وكان غرضي أن يكون نموذجاً لظاهرة سوء تنفيذ الأرصفة، فقد تكرمت الأمانة بإيضاح حالة رصيف آخر يختلف كثيراً في أوضاعه عن الرصيف الذي ذكرته ظناً منها أنه هو الرصيف المقصود، حيث استعرضت حالة رصيف في شارع (سعيد السلمي) في حي النخيل ليس هو المقصود، ويبدو أنه لوجود حالات أرصفة أخرى ليست على ما يرام فقد حصل الخلط بين الرصيفين، ومن اللافت أن يقوم المختص بإعداد إجابة عن الحالة دون أن يتأكد منها.

وفيما يخص الحالة الرابعة وهي مشروع تمديد الماء الذي كان على وضع غير مقبول في التنفيذ والإشراف وكان هذا شديد الوضوح في حالته الآن وفي المدة التي استغرقها العمل دون حتى أن يقارب على الانتهاء مع طول الفترة، فقد أفردت له الأمانة (مشكورة) فقرة في إجاباتها، وكادت تضع الإجابة في الفقرة، لكنها فيما يبدو أعفتني وأعفت نفسها من ذلك وتركت المهمة للشركة الوطنية للمياه باعتبار ذلك من اختصاصها، علماً بأن الإخوة في الشركة اتصلوا بي صباح اليوم الذي نشر فيه المقال ووعدوا ببعث فرقة فنية لمعاينة الحالة ولا أدري بعد ذلك ما حصل.

وبقيت الحالة الخامسة، وهي طريق الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد الذي قلت إنه كان جميلاً فعّالاً مثل شاب وسيم رياضي نشيط فأمسكت الأمانة بتلابيبه فجأة وأدخلته غرفة العمليات وأجرت له عملية خطيرة وتركته في غرفة الإنعاش، وقلت إنه ليس هناك ما يدعو لهذه العملية كما يظهر، ومع هذا حولت الشاب النشيط الوسيم إلى شخص محطم مشوه يرقد في غرفة العناية المركزة، والأمانة تقول في ردها ما معناه إن العملية مع خطورتها ضرورية جداً، لأنها تعالج مرضاً خطيراً، وإن الشارع سيستعيد وعيه وعافيته ووسامته ونشاطه ويكون أكثر حيوية وفعالية وجمالاً من ذي قبل وتقول إني استعجلت وتطلب مني الانتظار، وأقول لا بأس أنتظر ولكن أعتقد أن المشكلة فقط في إشارة التخصصي وسيخف عليها الضغط بعد انتهاء العمل في طريق الملك عبدالله، كما أنه يمكن معالجتها بكبري علوي.

ويوم الاثنين نشرت "الوطن" رد وزارة النقل على الحالة الأولى (النفق) ولم تقل الوزارة كما قالت الأمانة إنه (صيانة عادية) بل قالت إنه (صيانة وقائية) وقالت إنه تم إيجاد (جدران استنادية جديدة) وطبعاً هذه كما يبدو داعمة للجدران الأصلية التي زعزعتها كما يبدو الأمطار كما أوضحت في بداية المقال لنفق يفترض أنه في حكم الجديد، وبررت الوزارة للتأخير بكون النفق في (المناطق المزدحمة) وأشكرها على الرد ولكن لا أعتقد أن السبب الذي ذكرته يبرر بقاء نصف المسار الشمالي للنفق معطلاً ما يقارب العام بما يحدثه ذلك من ربكة كبيرة للسير.

الخلاصة أني في مقالي السابق كتبت عن ظاهرة سوء التنفيذ في مشاريع صيانة الشوارع وتنفيذ الأرصفة وتمديدات أنابيب المياه والصرف الصحي، وأوردت خمس حالات لتكون أمثلة تؤكد وجود الظاهرة من خلال التأخير الحاصل في تنفيذها وكذلك سوء التنفيذ وفق التفصيل الوارد في مقالي، فجاءت الردود خالية من نفي هذين المظهرين مما يؤكد وجود الظاهرة، وإضافة لذلك ورد في الردود ما يدل على ضعف الاهتمام بإيضاح حالة رصيف غير مقصود.. ولذا أجد الأمر أكثر حاجة للاستنجاد بالأمير سلمان لأن الظاهرة بالإضافة لما تسببه من أذى كبير للمواطن ـ فيما يتعلق بالتأخير ـ، فإنها تحرمنا من الاستفادة من البنود المالية كما ينبغي، وتزيد من كلفة المشاريع، وتؤخر الاستفادة منها، أما ما يتعلق بسوء التنفيذ فأضراره معروفة لست بحاجة لتبيانها.