عدت بالأمس من العاصمة اللبنانية بيروت، ومنذ أن هبطت بنا الطائرة في مطار بيروت وهطول الأمطار لم يتوقف حتى يوم عودتي إلى مدينة جدة، وتساءلت وتساءل من كان معي، ماذا لو أن كمية هذه الأمطار هطلت على مدينة جدة؟ الإجابة يعرفها ويدركها تماما كل من سكن مدينة جدة؟ مشكلة ما يدور من فيضانات كارثية في مدينة جدة لم يكن يوما خطأ السماء، فالسماء بريئة تماما من كوارث مدينة جدة!! الخطأ موجود في الأرض كنتيجة طبيعية لسوء التخطيط والفساد الإداري والمالي.... وضع ما شئت تحت هذه الفقرة!!
يذكر أهل العلم أن حل نصف أي معضلة يكمن في تحديد أبعادها، فإذا تمكنت من تحديد أبعاد أي مشكلة فأنت قد حللت نصف المشكلة، أما النصف الآخر من الحل فيكمن بالدراجة الأولى في التخطيط العلمي الصحيح لحل هذه المشكلة بعيدا عن الاجتهادات الشخصية، والصدق والشفافية في التعامل مع أبعاد هذه المشكلة وهذا للأسف الشديد ما نفتقر إليه في التعامل مع جميع مشاكلنا، وبوجه خاص المشاكل البيئية المتعلقة بالبنية التحتية لمدينة جدة.
هل يعقل يا ناس أن تعلن حالة الطوارئ في مدينة جدة عند أي هطول؟ هل يعقل يا ناس أن تقفل المدارس والجامعات عند ظهور أي سحابة في مدينة جدة؟ صدقوني يا ناس الخطأ ليس في السماء، بل هو في الفساد المستشري على الأرض!! دعوني على عجالة أحدد لكم أبعاد مشاكل مدينة جدة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمياه الجوفية المرتبطة في أساسها بثلاثة عوامل هي:
أولا: بحيرة المسك فتأثيرها لم ينته بعد!! ولن ينتهي أبدا!! فالتخلص من مياه بحيرة المسك السطحية لا يعني التخلص من مياهها الجوفية، التي أثرت وتؤثر في الأحياء السكنية الواقعة إلى الشرق من مدينة جدة، والسبب في ذلك كما أوضحته في معظم وسائل الإعلام، والتكرار كما يقال يعلم الشطار!! إن شرق مدينة جدة يقع على مصطبة صخرية يتخللها الكثير من القيعان (أحواض) الجيولوجية الصخرية التي امتلأت بمياه بحيرة المسك في العقود الثلاثة الماضية، وكونها قيعانا صخرية فهي تمنع أي تسرب مائي إلى باطن الأرض!!، لذا إضافة أي كم من المياه إلى هذه الأحواض سواء كان ذلك عن طريق هطول الأمطار أو مياه الصرف الصحي، سترفع مناسيب المياه القابعة في هذه الأحواض الجوفية، الأمر الذي يتسبب في تكوين المستنقعات المائية التي عادة ما تتسبب في إغراق البيوت والمنازل، وفي هذا الشأن أحذر من بناء السدود في شرق مدينة جدة، فمثل هذه السدود ستكون بمثابة كارثة على جميع الأحياء السكنية التي تنتشر في شرق مدينة جدة، وأنا على استعداد لمناقشة هذا الأمر مع الجهة المعنية بهذا الأمر، وأرجو أن لا نعالج خطأ بخطأ أفدح منه!!! مثل هذه السدود سيكون لها أيضا تأثير سلبي على تركيبة المياه الجوفية في مطار الملك عبدالعزيز تماما كما فعلته بحيرة المسك في السابق!! فهل نحد مستعدون لتلقي مثل هذه الكوارث؟.
أمانة مدينة جدة بصدد تخفيض مناسيب المياه الجوفية في منطقة شرق جدة!! وهذا أمر تحمد عليه، ولكن أرجو أن لا يصرف أو يقذف هذه الكم الهائل من مياه الصرف الصحي مباشرة على سواحل مدينة جدة كما فعلت شركة المياه الوطنية حين أفرغت بحيرة المسك في البحر الأحمر!! ومن هذا المنبر أتوجه للقائمين على أمانة مدينة جدة وأطالبهم بألا يكون علاج هذه المشكلة على حساب البحر الأحمر. وكل ما أتمناه ويتمناه كل سكان مدينة جدة أن يبحثوا عن حلول خضراء صديقة للبيئة كزيادة المسطحات الخضراء في مدينة جدة!! ولن يتم لهم ذلك إلا بالاتجاه إلى معالجة المياه الجوفية بالمعالجة الحيوية الثلاثية المتبعة رسميا في جميع دول العالم، وأنتم تعرفون وتدركون تماما حيثيات هذه الطريقة وقد أوضحتها لكم خلال محاضرة ألقيتها في المجلس البلدي منذ حوالي عامين، وقد زودت سعادة الدكتور طارق فدعق رئيس المجلس البلدي سابقا بنسخة من هذه الدراسة والذي قام مشكورا برفعها للمسؤولين وحتى هذا اليوم لم أتلق أي رد من المسؤولين، موضوع المياه الجوفية موضوع كبير ومعقد، ولكن غير مستعصي على الحل وسأناقش هذا الأمر على صفحات هذه الجريدة الغراء.