سفانتي بيبو عالم الباليوجينيتك أتتبعه أنا أكثر من عشرين عاما، الذي بدأ رحلته من متحف لندن بوخزة رأس إبرة من مومياء لتحديد شخصية الميت والزمن الذي استسلم لرقدة البلى ومن الجينات، هذا هو العلم الجديد (باليوجينيتيك Paleogenetic) الذي دشَّنه هذا الرجل الذي هرب من كاسترو وعصابة راؤول؛ فتبنته السويد ثم ألمانيا التي أعطته مقعد بروفسور في معهد ماكس بلانك في لايبزيج.

هذه المرة يضرب ضربته مع ختام عام 2010 بالكشف عن نوع ثالث عمر الأرض قبل ستين ألف عام، هو غير نوع الهوموسابينس أو إنسان نياندرتال، بل نوع ثالث تم العثور عليه من كهف (ديونيسوس Dionysos) في سيبيريا على حدود كازاخستان عند مرتفعات ألتاي، يعود إلى عصر بلايستوسين(Pleistozaen) وحين يتحدث (بيبو) يبتسم ويقول: هذه هي الثروة العظيمة ويشير إلى قطعة العظم التي اجتمعوا بها هناك وكأنها أغلى من الياقوت والمرجان (سن تم تحديد عمره بالكربون 14 النظير). وحسب العالم جان جاك هبلين (Jean-Jacques Hublin) من نفس المعهد فهو يرى أن الأنواع الإنسانية التي كشف عنها حتى الآن زادت عن خمسة عشر نوعا، وهناك المزيد (روبوست ـ ايركتوس ـ ماجنون ـ أرديبيثيكوس راميدوس ـ أفارينيسس ـ إنسان تشاد.. إلخ) ولكن هذا النوع الجديد طريف بسبب معرفته ليس عن طريق شكل العظام، بل عن العلم الجديد الذي دشنه بيبو الكوبي عن طريق الجينات، وبذلك أمكن مثلا فك الكود الوراثي عند إنسان نياندرتال وحاليا عند إنسان دينيسوفا.

ولكن كيف كان يبدو؟ وكيف عاش؟ وبماذا افترق عن الهومو سابينس الذي هو شكلنا المستقر الذي عمر الأرض؟ وربما سوف يتغير؟ فإنسان دينيسوفا خرج من أفريقيا قبل 400 ألف سنة ثم عمر أوراسيا (أوروبا ـ آسيا) وهناك انقسم على مايبدو إلى قبيلتين لن تجتمعا قط؛ واحدة ذهبت باتجاه الغرب وشكلت ما عرف بإنسان نياندرتال، والثانية باتجاه الشرق وعرفت بإنسان دينيسوفا..

ثم حصلت مفاجأة اللقاء التي يستعد بيبو إلى دفع مليون دولار لمن يجيب عن سؤاله؟ كيف حصل اللقاء؟ وما الذي جعل منا ما نحن عليه؟ فنزور المريخ، وننزل إلى شواطئ الكود الوراثي، ونبني قنبلة ذرية ونحول العالم إلى نقطة ديجتال، بينما قبع النوعان الآخران في عالم الصيد والسهام عراة غُرلا (بدون ختان).

قبل 60 ألف عام التقى الإنسان العاقل الهوموسابينس بإنسان نياندرتال وإنسان دينيسوفا، فماذا جرى بين الفريقين؟ هل تبادلا أدوات المنافع أم الشجار والنحار والحرب والضرب وخطف النساء وقتل الأطفال؟

على ما يبدو من مقارنات الكود الوراثي عندنا وإنسان نياندرتال أننا تزاوجنا، وهناك بصمة ذلك على الكود الوراثي عندنا من أولاد العمومة.

ولكن إنسان نياندرتال المسكين اختفى وزال ولم تبق له باقية. أما إنسان دينيسوفا فقد اختلط بعرقنا القادم من شرق أفريقيا قبل ستين ألف عام، ثم انشق إلى فريقين الأول تابع طريقه إلى غينيا الجديدة حيث أنتج العرق المالاوي الحالي، والشق الثاني الذي بقي في مكانه فاختفى وترك عظام هذه الشابة التي عثروا على بقاياها فنحتوا العظم وأخذوا 20 غراما من لب العظم كانت كافية أن تبوح بأسرارها، فقد كانت نقية المادة الوراثية بدون عفن بكتيري أيضا.

السؤال هل يمكن رسم خريطة هذا الإنسان من جينات هذه الشابة؟ يجيب سفانتي بيبو فيقول: إن الجينات معقدة أكثر مما نتصور، وعلينا ألا يغلب علينا الظن والتبسيط أن لون الشعر أو عرض الكتفين أو طول القامة أو الضغط الدموي تأتي من جين أو اثنين. فالأول من 100 جين والثالث من 150 والرابع من مئتين! ولنتصور اختلاط الحروف لإنتاج الكلمات!

إن لوحات السيارة تقرِّب المثل فلنتصور ثلاثة حروف لإنتاج ست كلمات بمعنى ولا معنى (ع ـ ب ـ ر = عبر ـ عرب ـ بعر ـ برع ـ رعب ـ ربع) غير التشديدات! تصوروا الآن مئة حرف ويزيد في إنتاج النسخة الإنسانية الجديدة المعدلة..

لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون..