لا شك أن انعقاد القمة العربية في دورتها الثلاثين بتونس يوم 31 مارس 2019 له دلالات خاصة. ففي هذه الفترة يشهد العالم العربي مرحلة ما بعد حرب داعش بكل ما تحمله من مخلفات أمنية واقتصادية وتعقيدات جيو سياسية.

ولا شك أن القمة ستجدد مساندتها للقضية الفلسطينية وسيادة سورية على الجولان ودعم الاستقرار الأمني في العراق واليمن وليبيا، وقد سبق وأن عبّرت المملكة العربية السعودية عن رفضها لمشروع صفقة القرن وضم الجولان إلى إسرائيل. لكن القمة ستسعى حسب عدد المحللين إلى مناقشة أفكار أولية لمشروع نظام أمن عربي جديد يتأقلم مع المعطيات الجيوسياسية الجديدة، وربما يتطور لاحقا إلى مشروع متكامل.

* السعودية كلاعب إقليمي فاعل.

رغم الإعلان عن نهاية الشوط الأول في الحرب على الإرهاب بالقضاء على دولة داعش الترابية، فإن الشوط الثاني لهذه الحرب قد بدأ الآن، وله سمتان رئيسيتان:

أولا، تمدد داعش والقاعدة في شكل خلايا نائمة ومتحركة.

وثانيا، الانتقال من دولة الخلافة الترابية إلى دولة الخلافة الافتراضية، ويمكن أن يستمر الشوط الثاني لسنوات عدة. وهذا الانتقال في الحرب على الإرهاب يفرض على الجامعة العربية وعلى القمة العربية في دورتها الثلاثين بتونس أن تشرع في التحضير لعناصر الإستراتيجية الأمنية العربية الجديدة. وأعتقد أن السعودية بثقلها العسكري والاقتصادي ستكون حجر الزاوية في هذه الإستراتيجية.

فالسعودية بدأت منذ فترة في نسج تحالفات أمنية وشراكات اقتصادية كبرى مع عدد من الدول العربية والإسلامية. ونذكر في هذا الإطار زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى دول شمال إفريقيا في نوفمبر 2018 والباكستان في فبراير 2019. وستساعد هذه التحالفات في بلورة رؤية جديدة للأمن القومي العربي والإسلامي، وهو ما سيُمكّن المملكة من أن تصبح لاعبا إقليميا هاما لخلق توازن فعلي مع الأحلاف الأخرى التي تقودها تركيا وإيران في المنطقة.

* أمنيات نرجو أن تتحقق في هذه القمة

 إن نجاح قمة تونس والجامعة العربية في ترشيح السعودية للعب هذا الدور الإقليمي البارز في المجال الأمني سيُعيد التوازن إلى المنطقة، في ظرفية تتسم بانسحاب تدريجي للقوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من ساحة المعركة بالشرق الأوسط.

وكل الأمل معقود في إيجاد الصيغ والميكانزمات التي تجعل العشرية القادمة عشْرية الإعمار والتجارة البينية والإقليمية والدولية، وعشرية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعشرية الأمن الشامل في أبعاده المختلفة، وعشرية تحسن مؤشرات التنمية في الوطن العربي، وعشرية تسوية الخلافات الأمنية مع بلدان الجوار، وعشرية الاستثمار في السلم أكثر من الاستثمار في الحرب، لأن الأجيال الحالية تعبت من الحروب التي دمرت البلدان واستفادت منها الدول الكبار، واليوم لا بد للجامعة العربية والقمم العربية الحالية والقادمة من أن تعمل على عودة الأمل والبسمة لشبابنا عبر تحسين المستوى العلمي والتقني لمستواهم التعليمي، وعبْر توفير أحسن فرص الشغل والخدمات الأساسية من صحة ونقل وتعليم وبنية أساسية جيدة، وحبذا لو تفكر القمة العربية في تونس في إحداث صندوق استثماري عربي هام يهتم بتطوير مستوى ونوعية الخدمات التي أشرنا إليها في عدد من الدول، وتنجز من طرف شركات خاصة وحكومية في شكل مشاريع ربحية لا في شكل هبات لكن بقروض ميسرة. وأعتقد أن الدول العربية الغنية مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر وغيرها من الدول قادرة على توفير المبلغ الأكبر لهذا الصندوق مع مطالبة باقي الدول المنخرطة بالجامعة العربية بالمساهمة حسب حصص يتم الاتفاق حولها، وبذلك تصبح اجتماعات القمم العربية والجامعة العربية حدثا عربيا ينتظره الجميع. كما أعتقد أن السعودية قادرة على قيادة قطار هذه الإصلاحات لو توفرت الإرادة والعزيمة من طرف الجميع.