يقف ممارسو مواجهة التطرف العنيف أمام نقطة تحوّل في التعامل مع هذه المسألة على الصعيد المحلي وضمن المجتمع الدولي على حدّ سواء. وتتطلب اللحظة تفكيرا عميقا. فعلى الرغم مِن مَيْل الشعب الأميركي إلى النظر إلى المسائل المطروحة بشكل انتقائي، بإيلائه اهتماما إلى بعضها وتجاهله مسائل أخرى بشكل مؤقت، يُظهر كتاب «بانديث» المعنون بـ«كيف نحقق الانتصار» أن التطرف العنيف يمثّل مشكلة أساسية للأمن القومي تتطلب اهتماما متواصلا، ولا يمكن السماح لها بالانجراف عن أعين الجمهور.

وخلال السنوات الأولى من إدارة بوش، واجه الممارسون عددا من التحديات، تَمَثلت إحداها على سبيل المثال في كيفية التحدث عن معركة الأفكار وتحديد الأبعاد الطويلة الأمد للصراع الإيديولوجي من دون تنفير المجتمعات التي كانوا بحاجة إلى الشراكة معها، خاصة المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

وقد أصرّ المتخصصون في مكافحة التطرف العنيف على التفكير بشكل أوسع نطاقا فيما يتعلق بالنظم البيئية المتطرفة التي تنشط فيها جماعات محددة على غرار تنظيمي «القاعدة» و«الدولة الإسلامية» وجماعات يمينية متطرفة.

إن كتاب «كيف نحقق الانتصار» يسلّط الضوء على خمس عِبر لا تزال مهمة حتى اليوم. وتتمثل العبرة الأولى في أن مكافحة التطرف العنيف هي مسألة هوية. وقد شكّل ذلك إعلانا أساسيا لكثيرين في الحكومة الأميركية، وهو: أن التحدي لا يقتصر ببساطة على ظهور جماعة واحدة أو إرهابي واحد، بل يتمحور حول نظرة المجتمعات إلى أنفسها والآخرين.

أما العبرة الثانية فهي أن هذا الصراع ضد التطرف يرتبط بالأجيال وليس عرضيا، وهو قائم على نظرة جيل الألفية إلى نفسه والعالم من حوله.

والعبرة الثالثة هي إن النظام البيئي للتطرف لا يخضع لخطوط إيديولوجية تقليدية، وهو ما يفسر سبب استحقاق تطرف جماعات اليمين المتشدد اهتمام ما كجزء من هذا النظام البيئي.

رابعا، لا يمكن النظر إلى مكافحة التطرف العنيف على أنها مجرد جزء ثانوي أو مهم من مكافحة الإرهاب، لأن القضايا المتأصلة هي أوسع وأعمق بكثير، وتستند إلى تصورات المجتمعات الذاتية. وتتطلب هذه المسائل طريقة مختلفة لإشراك المجتمعات في مكافحتها.

وتتمثل العبرة الخامسة في الفكرة المترسخة بعمق في عمل بانديث، والقائمة حول تمكين مجتمعات منفتحة لمكافحة التطرف العنيف. وفي هذا المجال لا تضطلع الحكومة بدور الداعم بل المُمكّن. وترتبط بذلك ضرورة إيجاد أصوات موثوقة قادرة على رسم معالم البيئة بطريقة استباقية، مع التعويل في الوقت نفسه على مجتمع التكنولوجيا لقيادة دفة منع التطرف العنيف.

يتعيّن على هذا المجتمع إتمام هذه المهمة ليس بشكل تفاعلي فحسب من خلال إزالة المضمون، بل بشكل استباقي من خلال الترويج للشبكات التي تحاول مواجهة التطرف.

*خوان زارني

* مستشار في «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية»