مثَّلت عاصفة الحزم التي شنَّها التحالف العربي في السادس والعشرين من مارس 2015 لحظة مفصلية في تاريخ الشعب اليمني، حيث حفظت هويته العربية، وقضت على المخطَّط الذي كانت إيران تعده للسيطرة على أرضه، وتكوين فرع ثان لحزب الله، بهدف زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج العربي، وافتعال الأزمات والقلاقل، وإضعاف دول المنطقة، توطئة للانقضاض عليها والسيطرة على ثرواتها، لتكون مقدمة لنشر إيديولوجيتها التي تقوم على استغلال الخلافات المذهبية سلاحا أوحد للتفريق بين شعوب العالم العربي.

ولم تجد طهران بطبيعة الحال أداة أفضل لتنفيذ مؤامراتها من جماعة الحوثيين الانقلابية، للعبث بمقدرات البلاد وتحطيم حياة ومستقبل شعبها وتحويلها إلى خنجر مغروس في خاصرة الدول العربية، نظرا للجهل المطبق الذي يسيطر على غالبية قادتها ومنسوبيها، وعدم تمتعهم بأي عمق فكري أو أرضية ثقافية. فعملت منذ سنين طويلة على تسليح تلك الجماعة ودعمها بكافة أدوات الموت من صواريخ وقنابل ورصاص، كما قدمت لها دعما سياسيا ضخما طيلة فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحالت في أحيان كثيرة دون مساعي الأخير لاستئصالها خلال الحروب الستة التي دارت بين الجانبين.

من أكبر المكاسب التي حققتها العاصفة أنها تصدت لهمجية تلك الجماعة التي لا تمتلك رصيدا سياسيا أو خلفية أخلاقية، وليس لها كوادر قادرة على تمييز مصلحة شعبها، فركز التحالف العربي على تقوية قدرات المقاومة الشعبية التي تكونت بصورة عفوية وضمت الوطنيين من أبناء الشعب، الذين رفضوا بصورة قاطعة أن تتحول بلادهم ذات التاريخ الضارب بجذوره في القدم إلى مجرد حديقة خلفية لنظام الملالي المعزول، وعملت دول التحالف على تنظيم تلك المقاومة الشعبية لتكون نواة للجيش الوطني، القادر على حماية حدود بلاده ومصالحها، ولتمنح الشعب اليمني شرف الدفاع عن أرضه بسواعد أبنائه ومساعدة المخلصين من أشقائه، فكان أن استعانت تلك الدول بخبراء عسكريين تولوا تدريب تلك القوات وفق أحدث النظم العسكرية، وسرعان ما تحولت تلك الحشود إلى جيش محترف تمكَّن في وقت وجيز من توجيه ضربات ساحقة للانقلابيين، وأوقع بهم خسائر جسيمة دفعتهم إلى الانسحاب من معظم المدن والمحافظات التي سيطروا عليها في بداية الانقلاب، ولم تكد تمر أشهر قليلة على تكوين الجيش الوطني حتى تمكّن بمساعدة طائرات التحالف العربي من استعادة ما يزيد على 85 % من مساحة البلاد، وبات الانقلابيون محصورون في مناطق محدودة، ولولا الحرص على عدم إيقاع خسائر كبيرة وسط المدنيين لكانت أرض اليمن بكاملها تحت سيطرة أبنائها.

ربما يرى البعض أن وتيرة التقدم العسكري الذي تحقّقه قوات الجيش الوطني تسير ببطء، وربما يكون ذلك صحيحا وفق الحسابات العسكرية المحضة، لكن الحقيقة التي تبرز بوضوح هو أنه إضافة إلى عدم الرغبة في وقوع ضحايا بأعداد كبيرة من المدنيين، فإن إستراتيجية قوات التحالف تقوم على الموازنة بين التصدي للأطماع الإيرانية وفي ذات الوقت الحفاظ على مكوّنات الشعب اليمني وعدم الإخلال بها، وهذه نقطة في غاية النبل، فعلى الرغم من الاختلاف الكبير مع جماعة الحوثيين المتمردة، إلا أن هدف قوات التحالف لم يكن في لحظة من اللحظات هو استئصالها والقضاء عليها تماما، لأنها في الآخر جزء من الشعب اليمني، حتى ولو ارتضت العمالة والخيانة. كذلك فإن القوات الموالية للشرعية كانت ولا تزال تؤمن بأن الحل النهائي للأزمة سياسي وليس عسكريا، لذلك اتخذت أسلوب الضغط الميداني على الانقلابيين حتى ترغمهم على الجلوس إلى مائدة التفاوض، ولو كانت تركز فقط على هزيمتهم عسكريا لتمكنت من ذلك في وقت وجيز، إذ لا مقارنة بين الإمكانات العسكرية الهائلة للدول التي تشكِّل منظومة التحالف وبين تلك الجماعة البائسة، حتى لو أضفنا لها ما ظلت تتلقاه من دعم إيراني طيلة السنوات الماضية.

وما يدعم هذه الفرضية هو أنه في الوقت الذي تدور فيه المواجهات العسكرية على الأرض فإن الدعم الإنساني الذي تقدمه دول التحالف وفي مقدمتها المملكة لم يتوقف، فتواصلت قوافل الإغاثة الإنسانية التي شملت كافة أنحاء اليمن، حتى صعدة التي تعد مسقط رأس الحوثي وحاضنته التي يختبئ في أحد كهوفها لم تكن استثناء من ذلك، بل إن مستشفى السلام الذي يعد الوحيد الذي يعمل في صعدة تقوم السعودية بتمويل تكلفة تشغيله بالكامل، بما فيها رواتب العاملين والطاقم الطبي والأدوية والوقود. وهي إذ تفعل ذلك فهي تنطلق من قناعتها بأن غالبية أهالي صعدة يرفضون ممارسات الأقلية الحوثية، ويتمسكون بوطنهم الذي كان على مدار تاريخه واحة للتسامح والتعايش. لذلك قامت إستراتيجية عاصفة الحزم على يد للحرب وأخرى للبناء والتعمير.

إن كان هناك من باعث للأسف فهو أن بعض الدول التي يفترض أنها كبيرة، وأن مكانتها كانت تفرض عليها التصدي لتدخلات إيران العدائية في اليمن ظلت تقف موقف المتفرج، إعمالا لحسابات السياسة المؤقتة، ولم تقم بواجبها الأخلاقي في تقديم الدعم للشعب اليمني والوقوف إلى جانبه. وإن كان هناك من دافع للحسرة والألم فهو يكمن في تلك المنظمات الدولية التي ما وجدت أساسا إلا لدعم الأنظمة الشرعية والوقوف إلى جانبها وتقديم الدعم الإنساني للشعوب في لحظات المحن، إلا أنها انساقت وراء أجندة خاصة ومكاسب زائلة، ضاربة عرض الحائط بكل القيم النبيلة والمبادئ السامية، فانحازت في سفور لجماعة خارجة على القانون، اغتصبت السلطة في ليل مظلم، وتحولت من أحد مكونات الشعب إلى أكبر أعدائه وأخطر مهدداته، تعيث فسادا بوحدته الوطنية وتعمل على هتك نسيجه الاجتماعي، لكن مما يدعو للتفاؤل ويبعث الأمل في النفوس هو أن الشعب اليمني العظيم عرف تماما خلال هذه الأزمة أصدقاءه من أعدائه، وهو مليء بالتصميم والعزيمة على استرداد أرضه والاحتفاظ بكرامته والبقاء في محيطه العربي الذي يمثل أحد أهم مكوناته، وهو قادر على بلوغ تلك الغاية مهما كلفه الأمر من تضحيات.