حوار العرب والجوار من أجل استقرار المنطقة وتعزيز المصالح المشتركة
قبل أن أبدأ لقائي بوزير الدولة اللبناني عدنان السيد حسين، الذي يعتبر واحدا من أهم المحللين والدارسين في الاستراتيجية السياسية، وله في هذا المضمار دراسات وأبحاث ومقالات ذات أهمية بالغة، بادرني إلى السؤال عن أحوال قريتي "الخيام" المحاذية للحدود مع فلسطين، والتي دمرتها إسرائيل ثلاث مرات، كان آخرها في حرب تموز 2006، وعما إذا كان أهلها أعادوا إعمارها، فأجبته بأنها عادت كما كانت، وأن القصور والفلل باتت تنتشر على روابيها، وأضفت بالقول، إن الازدهار والاستقرار القائم الآن في الجنوب يخفي قلقا عارما. وسألت: هل ستبقى هذه البيوت والقصور إذا ما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وإلى متى سيصمد الاستقرار؟ فأجابني الوزير بأنه "طالما هناك تهديدات إسرائيلية للبنان، وأهداف إسرائيلية توسعية على حساب مياه لبنان بصورة خاصة، فإن الأوضاع في الجنوب ولبنان عامة لن تستقر.
لذلك تنبهنا لهذا الأمر عند البحث في الاستراتيجية الدفاعية، باعتبار أن العدوان الإسرائيلي قائم من العام 1948، وهو مستمر عبر انتهاك السيادة اللبنانية خاصة في الجو"، مضيفا "طبعا إن هيئة الحوار الوطني هي المعنية بوضع هذه الاستراتيجية، ونحن لا نستهدف افتعال حرب مع إسرائيل، ولكن سنتصدى لأي عدوان من خلال الجيش اللبناني والمقاومة وقدرات الشعب اللبناني، وهو الأمر الذي التزمناه في البيان الوزاري لحكومة الوفاق الوطني"، وتابع الوزير حسين قائلا "من المؤسف أن الجو الإقليمي العام ملبد بالتهديدات ضد لبنان وفلسطين وسوريا، ولا نتوقع نقلة نوعية للعملية السلمية في الشرق الأوسط. وعليه فنحن في دائرة الخطر، وعلينا التنبه لهذا الأمر، والانطلاق من أن الوحدة الوطنية هي أقوى سلاح". فإلى نص الحوار:
إضافة إلى الخطر الإسرائيلي، ألا تعتقد أن لبنان يقع في وسط اشتباك إقليمي شديد التعقيد، وبالتالي فهو معرض للخطر الشديد؟
هذه السنة تتجه العلاقات الإقليمية إلى الانفراج، باستثناء إسرائيل. وأقصد تحديدا العلاقات السعودية-السورية -المصرية، كما التركية -الإيرانية.
ومن المتوقع أن تشهد العلاقات العربية الإيرانية، بعض الانفراج قريبا. وعليه فإن لبنان قد يدخل في مرحلة من الاستقرار الأمني والسياسي، ما يساعدنا على بناء مؤسسات الدولة، والانطلاق لتنفيذ البيان الوزاري، ولو في حدود معينة. ويبقى أن العامل المعرقل لهذا المناخ، متمثلا بإسرائيل وأهدافها العدوانية ضد لبنان، والدول العربية.
احتمالات الحرب
ماذا يمكن أن نستخلص من كل هذه الحركة الإقليمية التي تجري وسط أجواء متناقضة. هل تتجه المنطقة إلى حرب قادمة، أم أن كل هذا التوتر والتصعيد سيؤدي إلى مفاوضات سليمة؟
نرجح توجه المنطقة عامة نحو التفاوض تحت ضغط التهديد، ولا نتوقع حربا عسكرية على إيران.
هذا لا يعني استقرار الوضع الأمني في الخليج أو الشرق الأوسط. قد تحصل تجاذبات سياسية واقتصادية وأمنية، إنما خيار الحرب يهدد تجارة النفط العالمية من وإلى الشرق الأوسط، فضلا عما يحدثه من تحديات جديدة أمام الوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان. ربما تزداد العقوبات الاقتصادية على إيران، لكنها ستكون محدودة التأثير والحجم، خاصة وأن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية فاعلة ومتمادية في الغرب الصناعي، ومناطق عدة من العالم.
الملف النووي الإيراني
ولكن كيف ستحل المشكلة النووية الإيرانية؟
برأينا فإن المشكلة ليست في الملف النووي الإيراني بحد ذاته، وإنما تكمن في الصراع على المصالح والنفوذ في الشرق الأوسط خاصة، في منطقة النفط والغاز الطبيعي. لبنان والحال هذه، معني بتقديم مقترحات ومشاريع للحوار الإقليمي والدولي، من أجل احتواء هذه التهديدات والنزاعات، والتوصل إلى استقرار أمني وسياسي. خاصة وأن لبنان الآن أحتل عضوية غير دائمة في مجلس الأمن، وهو يمثل مجموعة الدول العربية في أعلى محفل أممي.
نحن نقرأ تقارير وتحليلات أمريكية وأوروبية، تشير صراحة إلى تضخم القوة الإيرانية، ووصل حزب الله إلى مستوى القوة الإقليمية. برأيك كيف يمكن احتواء هذا التضخم العسكري؟
احتواء ذلك يتم من خلال العملية السلمية، على قاعدة مؤتمر مدريد للسلام، أي الأرض مقابل السلام. إن حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) تتهرب من هذا الاستحقاق، وتمعن في مزيد من الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وترفض عودة اللاجئين. ولا مدخل لاحتواء التهديدات في الشرق الأوسط، أهم من مدخل تسوية القضية الفلسطينية، وفق قواعد الشرعية الدولية.
المناورات في الخليج
عندما ننظر الآن باتجاه الخليج العربي، فإننا نرى مناورات إيرانية ضخمة. كيف تفسر ذلك؟
في الصراع الدولي على الشرق الوسط، استخدمت وتستخدم كل الوسائل، من الحصار الاقتصادي، إلى الاستعراضات العسكرية، إلى الضغوط الدبلوماسية والسياسية، هذا فضلا عن الوجود العسكري الأطلسي، في العراق وأفغانستان. من الطبيعي، والحال هذه، أن يلجأ كل طرف إلى تعزيز قوته الضاغطة، لكن الحرب إذا وقعت فهي ليست حلا لإشكالية التنافس على الشرق الأوسط، وقد تسبب إشكاليات خاصة أمام الأمريكيين، والدول العربية، وتركيا، وغيرها. من الأفضل تعزيز الأوضاع الداخلية في البلدان العربية المعنية، وفتح حوار عربي – إيراني عميق وبعيد، بحيث يتناول كافة الموضوعات الاستراتيجية. ومن المستغرب أن يستمر الحوار بين الغرب وإيران، فيما تتعثر العلاقات العربية – الإيرانية!. علينا أخذ العبر والدروس من خلال حروب الخليج الثلاث، التي أدت إلى تدويل منطقة الخليج ونزاعات الشرق الأوسط، بصورة غير مسبوقة. الحوار العربي الإيراني، كما الحوار التركي الإيراني، مطلوب من أجل التنمية والأمن، وإقامة البنى التحتية القادرة على تحديث دول الشرق الأوسط، وتمكينها من دخول طور عصري جديد، أي عصر التقانة والمعلومات، بعيدا عن الاعتبارات الإثنية والعشائرية، أو بتعبير آخر، اعتبارات العصبيات التي لا تنشئ دولا ولا تحقق استقرارا.
حوار العرب والجوار
هل لديك اقتراح عملي لشكل ومضمون هذا الحوار؟
أولا، العلاقات العربية التركية تتجه من حسن إلى أحسن، مع إقرار عشرات الاتفاقات، خاصة في قضية مياه دجلة والفرات، وفي معالجة الأوضاع الأمنية، بما فيها مكافحة الإرهاب. ونقترح، إضافة إلى ذلك، تقديم مشروع عربي إيراني تركي مشترك، لمعالجة الملف العراقي، على قاعدة وحدة العراق وسيادته واستقلاله، وعلى قاعدة حفظ المصالح الإقليمية والدولية في منطقة الخليج. ويحتاج هذا الأمر إلى حوار عربي- أوروبي معمق، وأيضا انفتاحا على كل من روسيا والصين وغيرهما من الدول الناشئة، بحيث تتشكل إرادة دولية ضاغطة لتسوية الملف العراقي، إذ يصعب على الشعب العراقي بمفرده أن يعالج هذا الملف بدون مؤازرة إقليمية ودولية. أما بشأن الحوار العربي – الإيراني، فإن المسؤولية تقع على الطرفين، وتأخير مثل هذا الحوار يطيل الأزمات الخليجية، واستطراد الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية. من المفترض أن تتوصل الدول العربية في سبتمبر المقبل إلى تصور مشترك، لعقد قمة عربية استثنائية، تحت عنوان قضية الشرق الأوسط، والمقصود بذلك الصراع العربي – الإسرائيلي، وحبذا لو يكون هذا المشروع مشتركا مع الجانب التركي والإيراني، أو على الأقل يحظى بتأييد هذين الطرفين الأساسيين.
الدور السعودي
هل ترى دورا محوريا للمملكة العربية السعودية في الاتجاه الذي ذكرته آنفا؟
للمملكة العربية السعودية دور أساسي في معالجة هذه الأزمات والنزاعات، لكنها بحاجة دائمة لأن تنسق مع مجموعة الدول العربية، وخاصة مصر وسوريا. من خبرة العقود الماضية، نستنتج ضرورة تعاون الدول العربية الأساسية في هذا المضمار، للنهوض بالتنظيم الإقليمي العربي، أو بالتعاون الإقليمي، سواء كان مع الدول الآسيوية أو الإفريقية. نحن الآن مدعوون للقيام بهذه المسؤولية، حتى لا تبقى البلاد العربية مساحة مفتوحة للنزاعات، والصراعات ذات الطابع الدولي.