في المرة اليتيمة التي ذهبت فيها جائزة الملك فيصل للعلوم أو الطب إلى يد عالم عربي، كان الفائز أحمد زويل، ومرة أخرى كان المعيار هو البرهان لأن (فيصل) سبقت (نوبل) إليه ببضعة مواسم. وعندما سئل الأمير خالد الفيصل عن غياب العرب عن (فيصل) أجاب بكلمتين: اسألوا الجامعات. وفي ظني أن المسافة بين جامعات العرب وبين (فيصل أو نوبل) ما زالت شاسعة مستحيلة. وبحسب اعتماد صحيفة التايمز السنوي، الصادر ليلة نهاية العام الأخير، فإن جامعة عربية واحدة (جامعة الملك سعود) قد تستطيع خلال العقد الحالي من الزمن أن تدخل نادي (الرابطة المئوية) وأنها الجامعة العربية الوحيدة التي استطاعت بثلاثة أبحاث (فقط) أن تدخل أشهر دوريتي نشر (اثنتين) في مجال أبحاث العلوم. وحتى خارج العلوم والطب، مرة أخرى: اسألوا العرب. تجاهد جائزة الفيصل من أجل المعايير ومن المؤسف بمكان أنها باتت تحجب جوائز اللغة العربية لأن المرشحين باتوا أدنى من المعايير رغم آلاف المتخصصين في لغتنا الأم وفي أدبنا الذي نرضعه مع حليب الأم. حتى جوائز الدراسات الإسلامية باتت تذهب لغير العرب (واسألوا) عملاق تركيا، الفائز الأخير، بهذا الفرع وهو قبل (فيصل) يقدم نفسه أكبر مرجعية عن جزء مهم من تاريخنا إلى الأوساط الأكاديمية والثقافية العالمية. وفي مجال خدمة الإسلام تبدو الصورة العروبية التي لا ينكرها أحد. وربما باستثناء دول الخليج، تبدو حاكمية الكبت والقمع وهدر حقوق الإنسان، وأكثر من هذا غياب فاضح لمؤشرات التنمية. لماذا تتجول (فيصل) خدمة الإسلام من الهند إلى القوقاز إلى البلقان ثم تعود ثانية وثالثة إلى خليج الملايو لتحط رحالها وشاحاً على صدر حاكم ماليزي؟ العلة بسيطة والسبب بسيط: لأن هؤلاء الزعماء قدموا للعالم بأسره نماذج حكم إسلامي مدني تنموي يربط بين أصالة الإسلام وحداثة العصر دونما تعارض. حقائق جائزة الفيصل مثل خارطتها أكبر برهان لأن البرهان يستند للمعايير ولهذا كانت هذه النتائج. وللأمير العملاق صاحب الجائزة ومطلقها أن يقرأني (محبطاً) بفتح (الباء) أو كسرها وله عذري الضخم أن أتنكر أو أرفض الإحباط: اليوم بالتحديد أنا مجرد قارئ لخريطة الجائزة.