من المحاور المهمة والجلسات الثرية التي ناقشها المؤتمر الطبي الاجتماعي الثاني للرعاية الصحية المنزلية مؤخراً؛ محور (الإعلام والمسؤولية الاجتماعية). والحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن إعلام اليوم لم تعد مهمته نشر الأخبار ونقل المعلومات، بل تعدته إلى مهام أخرى متنوعة؛ كالتثقيف والترفيه والتسلية وغيرها. وثبت للناس بما لا يدع مجالاً للشك أن وظيفة الإعلام الثقافية لا تقل أهميةً عن وظيفته السياسية، ووظيفته التعليمية. كما ثبت عالميا أن نظريات الإعلام القديمة قد تغيرت، بل إن بعضها قد أُلغي. فقد توقف إلى حدٍ كبير الإعلام السلطوي، واستعيض عنه بالإعلام الحر، الذي تغير هو الآخر إلى إعلامٍ ذي مسؤولية اجتماعية. فالمتابع للمشهد الاجتماعي الإعلامي يستطيع وبكل وضوح أن يقول إن هناك شكوى متبادلة بين الإعلام والمؤسسات والشركات الاجتماعية، فبعض الشركات والمؤسسات الاجتماعية لا تقدر أهمية التواصل الإعلامي، كما أن بعض وسائل الإعلام لا تهتم بها، فالشأن في العمل الخيري ـ عندهم ـ أن يبقى سراً "لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"، وأن النشر يبطل العمل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن وَالأذَى}. كما أن هناك بعض الوسائل الإعلامية التي لا تهتم إلا بمقابل إعلاني مادي أو نشر حصري. الشكاوى السابقة وغيرها غيبت عن الناس ـ وللأسف ـ مجموعة من الأدوار الاجتماعية الهامة التي تقوم بها المؤسسات الاجتماعية العديدة. وليتنا نسعد بلقاءٍ حواري ترعاه (المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية) ينهي اختلاف وجهات النظر بين وسائل الإعلام ووسائطه وبين الشركات ذات المسؤولية الاجتماعية، فتعين الأولى الثانية، وتستعين الأخيرة بما قبلها.

من الأمور الأخرى التي يلوم بها الناس واقعهم الإعلامي، هو أن إعلامنا ـ وبحق ـ غيرُ متخصص، إذ يكتب إعلاميون غير متخصصين كتاباتٍ متنوعة في الشأن الشرعي أو الشأن النفطي أو الشأن الصحي أو الشأن الرياضي أو غيره من الشؤون، والنتيجة هي مقابلة المتخصص لكتابات وتحقيقات الإعلاميين بغير ما يظنونه من سبقٍ أو تميز، أو يؤملونه من شكر أو تقدير مادي أو معنوي. لقد كان الناس يسمون الإعلام (السلطة الرابعة) ـ بعد السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ـ أما اليوم فالإعلام - وعلى مستوى العالم أيضا- تبوأ مرتبة (السلطة الأولى)، فمن يملك الإعلام يملك السيطرة على ما حوله، ومن حوله. فإعلام اليوم هو الذي يقود الناس، وما عليه لإحسان هذه القيادة إلا أن تكون إمكانياته مؤهلة ومتخصصة في المجالات المختلفة، وذلك لأن مسؤوليته بالدرجة الأولى خدمة أفراد مجتمعة.

ختاماً، أنا لن أتكلم عن جدوى أو عدم جدوى أهمية فصل وزارة الإعلام عن وزارة الثقافة ـ شخصيا مقتنع بالفصل ـ ولن أبحث في فوائد أو عدم فوائد تحويل وزارة الإعلام إلى هيئة، أو بالأحرى هيئات مستقلة؛ إذاعة .. تلفزيون .. صحافة .. ـ شخصيا مقتنع بالتحويل ـ إنما أؤكد على أن الإعلام بعمومه، والصحافة بالخصوص أمام مسؤوليات اجتماعية عظيمة وكبيرة، أهمها الانفتاح على الناس جميعا، ورصد المبادرات المجتمعية المتميزة لكل المؤسسات الاجتماعية دون النظر إلى أسماء رؤساء أو أعضاء مجالس إداراتها. كما أؤكد على ضرورة أن يقوم القطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام بقيادة مبادرة وطنية عامة تشمل القيام بمجموعة برامج وندوات موجهة إلى كافة الشرائح، توضح لهم أهمية المسؤولية الاجتماعية في تحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، كما يتعين على المؤسسات العاملة أن تضع المسؤولية الاجتماعية في صلب استراتيجياتها بعيداً عن العلاقات التسويقية والعلاقات العامة وإدارة الأزمات.