ترك وحيد الثعلبي (31 سنة) مدينة جدة وكل دنياه التي بها وراءه لستة أشهر، بما في ذلك زوجته وابنته نور ذات السبعة الشهور، ليلبس الثوب الحويسي ويلف المجند حوله ويحمل السيوف ليرقص بها الخبيتي وابتسامته العريضة لا تنقشع عن وجهه أبداً تلبية لنداء الوطن الذي طلبه مع 23 من زملائه أعضاء فرقة جمعية الثقافة والفنون بجدة، التابعة لوزارة الثقافة والإعلام لتقديم عروضها الرائعة من الفنون الشعبية السعودية العديدة في أرجاء معرض المملكة المشارك في إكسبو 2010 المقام في شنغهاي للفترة بين أول شهر مايو حتى نهاية شهر أكتوبر 2010م.

يقول وحيد الذي يتواصل مع أهله عبر الإنترنت بالصوت والصورة لمدة ساعة كل يوم، إن خدمة الوطن وأداء هذا العمل الذي يعده من الأمانة الوطنية في تمثيل بلده بالشكل الذي يليق به هو الذي يخفف عنه الغربة والبعد عن الأحبة لهذه الفترة الطويلة. كان هذا شعوراً منتشراً بين أعضاء هذه الفرقة التي تجمعت من مناطق سعودية كثيرة لتقدم عروضها الملونة الراقصة التي تجتذب عشرات الألوف من الصينيين خلال ثلاث فقرات يومية تقوم بتقديمها، وتمتد من الرقصات البحرية الجداوية بالسمسمية والشوار والمخدجة، والعرضة السعودية بالبرودن والخناجر والصايا وبيت الفرد، مروراً بالمزمار والليوة والمجرور والدحية بكل الأكسسوارات التابعة لكل منها في مشهد جمالي أدهش الجمهور الصيني وساعد في جعل معرض السعودية أحد أشهر المعارض بين أكثر من 200 دولة مشاركة ومن بين أكثرها زيارة.

جاءوا إلى شنغهاي بعد المشاركة في مهرجان الجنادرية، فقد حضر محمد الشريف وهو جسيس موهوب من المدينة المنورة، بينما جاء باسم السقامي (24 سنة) من الرياض وعبدالله الحسيني من المنطقة الشرقية وسعيد المليحي من جيزان وابراهيم العيسى من القنفذة. الإعجاب بالأزياء السعودية التي يشاهدها الجمهور على هؤلاء الراقصين والطبالين والمنشدين والمغنين استحوذ اهتماماً كبيراً من الجمهور الصيني وغيره. يقول باسم السقامي إنه يحس بفخر شديد ببلده وبأداء الفرقة خاصة عندما يشاهد تفاعل الجمهور وردة الفعل الإيجابية منهم، كما يقول درويش عسيري (22 سنة) إن الصينيين يعاملوننا كأننا "نجوم سينما"، فما أن يخرج أعضاء الفرقة بعد انتهاء العروض حتى يلتف المئات حولهم طلباً لالتقاط صور معهم ومشاهدة أزيائهم عن قرب. معظم أعضاء الفرقة من صغار السن في بداية العشرينات من عمرهم، ولكن سجل مشاركاتهم في المعارض السعودية ثري حملهم حتى الآن إلى تسع دول من بينها اسبانيا وبريطانيا، ولكن الجمهور الصيني كان بالنسبة لهم الأكثر تفاعلاً واهتماماً.

يقول خالد الجمالي المسؤول الفني ومدرب الفرقة التي أسسها قبل عامين عن هؤلاء الشباب الذين اختارهم بنفسه بعناية لتميزهم ليس فقط بالقدرة الفنية التي تجيد جميع الفنون السعودية وأدائها، ولكن وهو الأهم حسب تعبيره، أنهم يتمتعون بأخلاق عالية وانضباط صارم يعكس الصورة الحقيقية للشاب السعودي في تواجدهم في الصين وغيرها. وأعضاء الفرقة ليسوا وحدهم في تمثيل السعودية في هذا المعرض الذي يتوقع أن يزوره نحو 70 مليون زائر. فهناك أيضاً الطلبة السعوديون المبتعثون للدراسة في شنغهاي والذين تطوعوا لخدمة بلدهم ويقضون أوقاتاً خاصة للمساعدة فيه بالرغم من التزاماتهم وجداولهم الدراسية حيث يساهمون في تنظيم الجمهور باللغة الصينية التي يجيدونها.

ويصل نحو 25 ألف زائر إلى الجناح السعودي كل يوم من أيام الأسبوع السبعة للتعرف على السعودية من خلاله. وقد وصل إجمالي عدد زوار المعرض إلى نحو ربع مليون زائر حتى نهاية يوم الجمعة الماضي وهو ما يعادل نحو 10 في المائة من إجمالي زوار إكسبو، علماً بأن الجناح السعودي يسعى لاستقطاب نحو سبعة ملايين زائر بنهاية انعقاده. وقد صمم الجناح على شكل سفينة تمت تسميتها سفينة النور حسب وصف الدكتور محمد الغامدي، المدير التنفيذي للجناح وقد وضعت في اتجاه الغرب نحو مكة المكرمة. وبالإضافة إلى العروض الفلكلورية، فإن الزوار يشاهدون عرضاً رائعاً على إحدى أكبر شاشات العرض الموجودة في العالم اليوم تعرض لقطات من داخل الحرم المكي ومن صحراء الربع الخالي وجوف البحر الأحمر بمرجانه وأسماكه الملونة، ويطير بهم الفيلم في مشاهد فاتنة فوق المدن الصناعية السعودية ويحلق بهم في سماء مدينة الرياض ليخرجوا بوجبة سريعة مدتها 12 دقيقة بنكهة سعودية تتنوع بتنوع الثقافة السعودية الثرية وتعدد ملامحها وجغرافيتها.

ومن بين السعوديين الذين يقدمون المساندة لجناح المملكة في شنغهاي أيضاً رانيا البلتاجي من شركة أرامكو السعودية والتي تقول إن الإقبال الكبير على الجناح يشعرني بالفخر لما نراه من اهتمام وحماس كبير لدى الزوار عند زيارتهم للجناح السعودي. أما صلاح الظاهري وسامي السعيد، من أرامكو السعودية أيضاً، فيقولان إنهما يشعران بالامتنان لشركتهما التي منحتهما فرصة تمثيل الوطن في هذه التظاهرة العالمية الكبرى. وستستمر أرامكو السعودية في تقديم الدعم للجناح طوال فترة انعقاده من خلال إرسال مجموعات من موظفيها أصحاب الخبرة للمساعدة في إدارته حتى نهاية أكتوبر 2010 وذلك للتعامل مع كبار زوار الجناح وإعطائهم فكرة واضحة عن المملكة وما وصلت إليه من تطور في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ومن بين من زار المعرض حتى الآن الرئيس الصيني، هو جين تاو، والعديد من كبار المسؤولين الصينيين ومسؤولين من الدول المشاركة في المعرض مثل وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، ووزير خارجية بولندا ووزير التخطيط الإندونيسي ووزير الطاقة الكولومبي، إضافة إلى زيارة العديد من الوزراء السعوديين ومن بينهم وزير البترول السعودي، علي النعيمي، ووزير المالية، ابراهيم العساف، ووزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة.

وكان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قد قام يوم السبت الماضي بزيارة إلى جناح المملكة، يرافقه كل من وزير العدل صقر غباش، والسفير الإماراتي في بكين عمر البيطار، والقنصل العام للإمارات في شنغهاي نور محمد جمعة، ورئيس مجلس دبي الثقافي محمد المر. وكان في استقبالهم المدير التنفيذي للجناح السعودي الدكتور محمد بن سعيد الغامدي، والأعضاء العاملون بالجناح.

وقد وصف الوزير الإماراتي الجناح السعودي في معرض "إكسبو 2010" بشنغهاي بالمذهل، معلقاً على تصميم المعرض بأنه ذكي، وقال إن فكرة اللقطات من داخل الحرم المكي الشريف في الفيلم المعروض جميلة حيث إنها تتيح للزائرين دخول مكان لا يمكن لكثير منهم الوصول إليه.