تضمنت توصيات مجلس الشورى الأخيرة بخصوص التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة للعام المالي 1427 /1428 حسب ما جاء في الوسائل الإعلامية بأن يقوم الديوان بتطوير برنامج الرقابة على أداء مرافق وعقود الصيانة والتشغيل والنظافة ليشمل الرقابة على تنفيذ المشروعات.

ومن التوصية السابقة يلاحظ أنها ركزت على عملية رقابة الأداء على تنفيذ المشروعات، مما يعني ذلك الرقابة على أعمال المقاولين.

هذا بالإضافة إلى أن من بعض الانتقادات التي وجهت إلى ديوان المراقبة هي قلة عدد المهندسين العاملين في الديوان.

وبالرغم من الوجاهة المنطقية لهذه الانتقادات وهذه الملاحظات على الديوان إلا أنها لا تدخل ضمن إطار رقابة الأداء بالتحديد، بل وتطالب الديوان أيضاً بدور تنفيذي وليس رقابيا، وبالتالي سوف يقوم الديوان بدلاً عن الجهات الحكومية بالإشراف ومتابعة تنفيذ المشاريع بأشكالها المختلفة، علماً بأن الإشراف والمتابعة هي من الاختصاصات الرئيسية للجهات الحكومية، وليس من اختصاصات ديوان المراقبة.

وبناءً على ذلك سوف يفقد الديوان استقلاليته، كما أن الرقابة سوف تركز على أعمال الشركات والمقاولين بشكل تفتيشي، وتتجاهل الرقابة على أعمال الجهات الحكومية والتي هي من اختصاصات الديوان في الأساس. والأسئلة المطروحة هنا، كيف يقوم الديوان بالرقابة على أداء المشروعات الحكومية؟ وهل الديوان مطالب بالرقابة على أداء جميع المشاريع؟ وهل يحتاج الديوان إلى التخصصات الهندسية في تنفيذ رقابة الأداء؟.

وللإجابة عن هذه الأسئلة، من الضروري الرجوع إلى مفهوم رقابة الأداء لدى ديوان المراقبة، والمعايير المهنية التي تبناها.

فالديوان يعرّف مفهوم رقابة الأداء على أنها "تقييم أداء البرامج أو الأنشطة للجهات الخاضعة للمراجعة من خلال تقييم مدى كفاءتها في استخدام مواردها وتشغيلها بفعالية واقتصاد ومدى تحقيقها لأهدافها وتحديد أسباب الانحرافات في حالة وجودها، وتقديم التوصيات لمعالجتها".

ومن التعريف السابق نجد أن رقابة الأداء تركز على الرقابة على الجهات الحكومية، ومن المعلوم أن معظم الجهات تقوم بتنفيذ هذه الأنشطة على شكل مشاريع يتم من خلالها التعاقد مع الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، وعليه فإن موضوع رقابة الأداء يركز في الأساس على مدى كفاءة وفعالية الجهات الحكومية في الإشراف ومتابعة تنفيذ المشاريع، وليست الرقابة على أداء المقاول في تنفيذ هذه المشاريع كما يعتقد البعض.

وبالتالي فإن الديوان يفترض أنه سوف يحدد الإدارة المختصة في الجهة الحكومية والمسؤولة عن الإشراف على هذه المشاريع، ويقوم بتقييمها لتحديد الطرق التي تتمكن الإدارة بها من العمل بشكل أفضل وبتكلفة أقل، كما أن هذا التقييم يؤدي إلى الكشف عن التبذير والتلاعب مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير الطرق التي تعمل بها الإدارة، وهذا يساعد أيضاً في تسهيل اتخاذ القرار وتحسين المساءلة العامة.

وعليه سوف يقوم الديوان بعمل مسح معلوماتي عن إدارة المشاريع، ومن ثم القيام بعملية التخطيط وتقييم أنظمة الرقابة الداخلية وإعداد برنامج المراجعة ودراسة وتحليل الخريطة التنظيمية، وإجراءات العمل الإشرافي لدى إدارة المشاريع، والتقارير الإشرافية الصادرة عنها، بالإضافة إلى تقييم مخاطر المشاريع المنفذة، والمخاطر الإدارية.

ويجدر التنويه هنا أنه بالإمكان أخذ عينة من المشاريع المنفذة، لمراجعتها ميدانياً وإجراء اختبارات الرقابة (حسب ظروف وطبيعة المهمة وقد لا يحتاج الديوان للقيام بهذه الزيارات)، للتأكد من فعالية إشراف إدارة المشاريع، والتأكد من تطبيق الإجراءات والمعايير الفنية، وهنا قد يحتاج الديوان إلى بعض التخصصات الهندسية في هذا المجال، كما أن المعايير المهنية أتاحت للديوان الاستعانة بمكاتب استشارية هندسية محايدة إذا تطلب الأمر ذلك، ووضعت هذه المعايير شروطا لمثل هذه التعاقدات، وبالتالي فإن قلة عدد المهندسين ليست بمشكلة جوهرية للديوان، فالمعايير أتاحت للديوان خيارات وبدائل متعددة إما عن طريق التوظيف أو التعاقد وذلك وفقاً لطبيعة المهمة وأهميتها النسبية ومدى نسبة المخاطر المحيطة بها.

أما بالنسبة لكيفية اختيار مهام الرقابة على أداء المشاريع، وهل الديوان مطالب بالرقابة على جميع المشاريع؟ بالطبع لا.. فرقابة الأداء هي رقابة انتقائية ومن الصعب جداً الرقابة على أداء جميع مشاريع الجهات الحكومية، وبالتالي فإن هناك معايير محددة لاختيار مهام رقابة الأداء تعتمد على التخطيط الاستراتيجي للديوان وبعض الاعتبارات منها:

1) الأهمية النسبية للمشاريع.

2) قابلية تعرض المشاريع والبرامج إلى التلاعب والتبذير وسوء الاستغلال.

3) حساسية بعض الأنشطة والمشاريع وخاصةً تلك التي يمكن أن يؤدي الأداء الضعيف فيها إلى إحراج الجهة الحكومية.

4) خبرة المراجعة لدى ديوان المراقبة.

وكلما كانت المعلومات لدى الديوان كافية كانت قرارات الاختيار أكثر دقة، هذا بالإضافة أنه يمكن تنفيذ مهام رقابية على المشاريع بناءً على طلب السلطة التشريعية في الدولة.

هذا باختصار شديد فيما يتعلق بطبيعة رقابة الأداء على المشاريع الحكومية، ولتحقيق مساءلة أفضل أقترح أن تكون هناك مهام استراتيجية للديوان بخصوص المشاريع الحيوية للدولة، ويمكن لمجلس الشورى أيضاً أن يطلب من الديوان مهام معينة إذ رأى المجلس أهميتها، ويمكن أن يستفيد من التقارير الصادرة عن الديوان بخصوص هذه المهام في مراجعة الأنظمة وعند مناقشة تقارير الأجهزة الحكومية التنفيذية، وهذه الطريقة معمول بها في الدول الأكثر تقدماً.