في ثقافتنا العربية، النفاق ليس فقط صفة سلبية مرفوضة، بل مفهوم يحمل إرثا سلوكيا دينيا مرتبطاً بمعنى أكثر عمقاً من مجرد شخص يزيف وجهه أمام الآخرين، فصاحب هذه الصفة قد يستبعد من الجنة ويستحق عقوبة شديدة متمثلة في أن يقبع في الدرك الأسفل من النار. وبغض النظر عن المفهوم الديني والتسمية التاريخية إلا أن هناك شيئاً ما حول كلمة النفاق في مجتمعاتنا العربية بالذات جدير بأن يجعلنا نعيد النظر في هذه الصفة التي ننعت بها بعض الناس في السياق الاجتماعي.
فنحن ننعت أي شخص يتملق شخصيةً اجتماعيةً رفيعةً بالمنافق، وأي شخص يفعل في خارج البلد أشياء قد لا يفعلها في الداخل بالمرائي أو المنافق، والموظف الذي يتملق المدير طمعا أو خوفا بالمنافق، والفتاة التي تلبس الحجاب أمام الناس و لديها حياة سرية نسميها منافقة.
والسؤال هنا، هل سيضطر الموظف أن يتملق المدير لو أن المؤسسات تتسم بالشفافية والعدالة؟ وهل سيضطر أي إنسان أن يتملق صاحب منصب اجتماعي، لو أن المكانة الاجتماعية لا تعني السلطة المطلقة، بحيث يفعل الشخص ما يحلو له دون رادع.
ولو أننا لا نحكم على بعضنا ونقصي بعضنا البعض للاختلاف في المنهج أو الرؤية أو السلوك، هل ستصبح الازدواجية في المعايير والسلوك هي السائدة؟ وهل من العدالة أن نطلق على من يخفي ذاته الحقيقية خوفا من البطش الاجتماعي صفة "منافق"؟ وهل من العدالة أن يتكلف الفرد عناء إخفاء مشاعره وتزييف سلوكه ورأيه، فيبدي المحبة لأشخاص يعرف أنهم لا يستحقون حتى السلام، ويرتدي ملابس هو لا يحبها ويعمل ويتزوج ويسكن خلاف ذاته الحقيقية ويشكل وجوده بناء على رغبات المجتمع؟
إن تهمة النفاق التي نصوبها نحو من يتعايش في ظل وضعنا الاجتماعي لا تنتشر في المجتمعات التي لا يملك فيها أحد سلطة عشوائية ضد الآخرين، ولا يتدخل فيها المجتمع ليفرض نفسه قسريا على الأفراد، حيث يستطيع الشخص أن يصرح برأيه تجاه أي تيار، أو مسؤول أو حتى طرح مفاهيمه دون خوف على سلامته الشخصية والفكرية. وفي هذه الظروف، إذا ما وجد أفراد يظهرون خلاف ما يبطنون؛ ففي هذه الحالة يمكن أن نسميهم منافقين.
وفي تصوري أن يحيا الإنسان في ازدواجية هو أمر غير صحي للفرد نفسه، وظاهرة غير محمودة، والمجتمع متهم بخلقها والضحية فيها هو الفرد الذي يحرم حقه في ممارسة الحياة التي نؤمن جميعا أنه سيحاسب عنها وحده.
[email protected]