شيئان لا يمكن توطينهما، هما: الإعلام، والثقافة؛ لأنّهما يقومان في أصلِهما على الانفتاح والتثاقف، لا الانغلاق والتقوقع..

تبادلت وكالات الأنباء خبراً يفيد بأنّ قناة النيل للأخبار تعتزم الاستعانة بمقدّمي برامج غير مصريين، لأول مرة في تاريخ القناة التي تحمل شعار "قناة مصر الإخبارية"، تلك القناة المتخشّبة التي ظلت ـ منذ بدئها الأوّل سنة 1998 ـ تعتمد على الوجوه المصرية وحسب، وربّما صدّرت للقنوات العربية الأخرى عدداً من الكوادر الإعلامية الممتازة، لكنّها ـ على الرّغم من الريادات المصريّة، فضائيّاً وسينمائيّاً، وتلفزيونيّا ـ لا تحظى بمتابعة توازي أو تقترب من نظيراتها العربيّات، وأخص "الجزيرة" و"العربية"، ممّا يعني أنّ التقوقع والانكفاء لم يكونا مجديين، وأنّ الريادة ليست سبباً كافياً للتفوّق.

الخبرُ قد يكون عاديا بالنسبة إلى الذين لا يراقبون الحالة المصريّة بعيون ناقدة، إلا أنّه لافتٌ بالنسبة إلى الذين ينظرون إلى الشخصية الجمعيّة المصرية من غير زاوية؛ فمصر الرائدة لا تعترف بغير المصريين، وهي صفة متأصّلةٌ تتجاوز العامّة، إلى المثقفين، وذوي الآفاق البعيدة..

التقوقع المصري يناقض كون مصر مقصداً للباحثين عن الفنّ، والأدب، والفرص، وموئلاً للطامحين، من الباحثين عن تطوير ذواتهم بما لا يكون إلا في مصر، ممّا يعني وجودَ خطابٍ يناقضُ الواقع، ويقف في وجه المعطيات..

ليس من المنطقي أن يواصلَ المصريون الرفضَ ـ جهراً أو سرّاً ـ للقادمين إلى أرض الكنانة من: الممثلين والمخرجين والمعدّين والمقدّمين، وهو ما كانَ في أكثر من موقف.

استعانة قناة النيل للأخبار بمقدّمي برامج ينتمون إلى جنسيّات عربيّة مختلفة، تعني فتحَ الأبواب أمام المثاقفة، وتجاوزَ الشأن المصري إلى الشأن العربيّ كلّه، ممّا يمنح القناة شريحةً واسعةً من المتابعين، وبهم تستطيع أن تصلَ إلى الإعلان، وإلى القلوب الحانّة إلى مصر، قبل العقول المؤمنة بمصر بوصفها قيمة، وهو المأمولُ في مصر التي تشدّ الأذهانَ دائماً إلى الثقافة العربيّة بوصفها كتلةً واحدة، و"بحب مصر"