ناقشت في الأسبوع الماضي التقرير الذي أصدرته حديثاً مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عن وضع القوى العاملة في المملكة، وأتطرق اليوم إلى تحليل ظاهرة البطالة، كما يُظهرها التقرير.

بلغ عدد "المتعطلين عن العمل" في عام 2009م 449 ألفاً، أي أن معدل البطالة بلغ 10.5% من إجمالي قوة العمل، مما يشكل زيادة ملموسة عن العام السابق حين بلغ عدد المتعطلين 416 ألفاً ، أو مانسبته 10% من إجمالي قوة العمل، وهي نسبة مرتفعة بجميع المقاييس، فكيف وهي تحدث في اقتصاد يمر في أزهى عصوره؟

من هم هؤلاء "المتعطلون" ؟  يُعرّف التقرير المتعطل عن العمل بأنه: "هو الفرد الذي بلغ عمره ( 15 ) سنة فأكثر، والقادر على العمل، ولديه استعداد للعمل خلال أسبوع الإسناد، ويبحث عن العمل بجدية تامة خلال فترة الأربعة أسابيع الماضية المنتهية بنهاية أسبوع الإسناد ولم يجد عملاً."

ويلفت النظر حقاً ما يرصده التقرير من أن الغالبية الساحقة من المتعطلين هم من المتعلمين: فنحو 44% منهم من خريجي الجامعات، و13% من حملة الدبلوم، و26% من حملة الثانوية.  أما الأميون فهم أقل من 1% من المتعطلين! 

والغالبية العظمى من المتعطلين هم من الشباب.  ففي حين أن نسبة البطالة الإجمالية 10.5% فإن هذه النسبة تصل إلى 43% بين الشباب في الفئة العمرية (20-24 سنة).

والغالبية العظمى من المتعطلين هم من غير المتزوجين، الذين يشكلون مانسبته 80% من إجمالي عدد المتعطلين عن العمل.

 ونلاحظ هنا عدة خصائص فريدة تميز ظاهرة البطالة لدينا:  أولها تركز البطالة بين المتعلمين واختفاؤها شبه التام بين غير المتعلمين، وفي معظم دول العالم تتركز البطالة في الفئات متدنية التعليم، فالجميع يتوقع أن التعليم يقلل من فرص البطالة ولا يزيد منها.  فماذا حدث لدينا؟  أليست بطالة المتعلمين بهذه النسب المرتفعة مؤشراً على وجود خلل في العملية التعليمية، خاصة في المرحلة الجامعية، أدى إلى هذه الظاهرة الغريبة لدينا.  وربما كان هنا مربط الفرس!

وهناك ظاهرة فريدة أخرى:  حينما تراجع تقارير مصلحة الإحصاءات العامة للأعوام السابقة، تجد أن معدل البطالة ظل يراوح مكانه منذ عام 2002م عند نسبة 10% بل زاد قليلاً هذا العام.  ووفقاً للنظرية الاقتصادية، فإننا نتوقع أن تتقلص ظاهرة البطالة إلى حدودها الدنيا، في ظل النمو الاقتصادي غير المسبوق الذي تمر به المملكة، وهذا ما بشرت به بالفعل خطط التنمية، التي ربطت بين النمو الاقتصادي وارتفاع نسبة التشغيل لدى المواطنين.  ولكننا نلاحظ العكس هنا، ففي حين تضاعف الناتج المحلي الإجمالي خلال هذا العقد، فإن معدل البطالة لم ينخفض.

 والظاهرة الفريدة  الثالثة، هي طريقة التعامل مع ظاهرة البطالة، إذ عادة ما تُعتبر البطالة أزمة حينما تتجاوز نسبتها ما يسمّى بالمعدل الطبيعي للبطالة، وهو معدل يختلف من دولة إلى أخرى ولكنه في حدود 3- 4% من إجمالي قوة العمل.  ولكنها لا تُعامل كأزمة لدينا على الرغم من تجاوزها نسبة 10%. 

ومن الناحية الاجتماعية، وربما الأمنية، ربما كان ثمة خطر كامن من نتائج الإحباط المتوقع لدى مئات الآلاف من الشباب المتعطلين، الذين يرصدهم تقرير مصلحة الإحصاءات العامة، بسبب عدم حصولهم على وظائف، على الرغم من مستوياتهم التعليمية العالية، خاصة أن نحو 80%منهم غير متزوجين،وبالتالي غير مستقرين عائلياً.

       وعلى الرغم من رصد البطالة وتوثيقها من قبل مصلحة الإحصاءات العامة لعدة سنوات، سعى البعض إلى التشكيك في وجودها، والتقليل من أهميتها، ووصفها بالبطالة الطوعية، في حين أن البطالة الطوعية لا تدخل أصلاً في إحصاءات البطالة حسب التعريف الذي اقتبسته من تقرير البطالة.  وحاولت بعض الجهات الحكومية في فترة من الفترات أن تقوم بقياس البطالة بنفسها، لأنها لم تكن مقتنعة، فيما بدا، بقياسات مصلحة الإحصاءات العامة.

وهناك أسباب واضحة ومعروفة تفسر الاستنفار الذي تقوم به الدول لمعالجة البطالة، فالأضرار الاقتصادية للبطالة واضحة للعيان، وارتفاع البطالة بنسبة 1% يعني انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنفس النسبة تقريباً، في المتوسط، ولهذا فإن الاقتصاد الوطني يعاني معاناة مباشرة حينما يتعطل فرد واحد من أفراده، فكيف بفقدان (449) ألفاً من المواطنين لفرص العمل؟

وإذا صح القول بأن الاقتصاد أكثر أهمية من أن يُترك للاقتصاديين، والحرب أكثر أهمية من أن تترك للعسكريين، فإنه ربما حان الوقت لأن نطبق هذا المبدأ على البطالة.  فقد أخفق أصحاب الاختصاص في معالجة ظاهرة، بل أزمة، البطالة، على مدى نحو عشر السنوات الماضية، فربما ينجح غيرهم؟